عنوان الفتوى : قوله تعالى : ( قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ) ، هل فيه ما يدل على الضلال ؟
أرجو الرد على الشبهة التالية حيث قرأتها على موقع متخصص في نشر الشبه عن الإسلام : جاء في سورة سبأ : ( قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ) ، وهذا يعني احتمالية أنّ يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد ضل ، وهذا يعني احتمالية ضلال كل من تابعه على ما جاء به ، خصوصاً وأنّ الكثير يأخذونه أسوة لهم في كل أموره .
الحمد لله
قوله تعالى : ( قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي ) سبأ / 50 .
ليس في الآية ما يدل على احتمالية أن يكون عليه الصلاة والسلام قد وقع في الضلال ،
حاشاه من ذلك عليه الصلاة والسلام ، وليس الإشكال في الآية ، فمعناها واضح لكل ذي
فهم صحيح ، وذوق سليم ، وإنما بلية المشكك فيها من جهله بلغة العرب ، ومرض قلبه
الذي يهول له الأمور ، ويخيل إليه أنه قد وقع على خلل وعيب ؛ وحاشا لله أن يكون في
كتابه شيء من ذلك.
والآية : إنما سيقت على سبيل
الإنصاف للخصم في المجادلة ، وفتح فرص التفكر السليم ، والتنزل معه في الحوار ؛
فالمعنى : أنه إذا افترضنا جدلا ، أنه قد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم شيء من
ضلال ، فإنما أثر هذا الضلال ، وعاقبته : على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
وحاشاه من ذلك ، وحاشاه أن يضل في شيء من أمر دينه ، وقد ظهر للعالمين بيانه ،
وسطعت لهم حجته ، وما قبضه ربه حتى أعلى مناره ، وجعله عاليا على ما سواه من
الأديان .
قال الشيخ السعدي رحمه الله – مفسراً للآية - :
" وأنه إن ضل - وحاشاه من ذلك ، لكن على سبيل التنزل في المجادلة - فإنما يضل على
نفسه ، أي : ضلاله قاصر على نفسه ، غير متعد إلى غيره ... " .
انتهى من " تفسير السعدي " (ص/683) .
وتعليق الشيء على شرط ، لا
يلزم منه وقوع ذلك الشرط ، بل لا يلزم منه إمكان وقوع ذلك الشرط ، أو احتمال صحته .
فقد جاء ذلك كثيرا في القرآن الكريم في الأمور المستحيلة ، فمن ذلك قوله تعالى : (
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ
اللَّهِ شَيْئًا ) الأحقاف/8.
قال الشوكاني رحمه الله :
" أَيْ : قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ ، عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ ،
كَمَا تَدَّعُونَ فَلَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَرُدُّوا عَنِّي عِقَابَ اللَّهِ ،
فَكَيْفَ أَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ لِأَجْلِكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى
دَفْعِ عِقَابِهِ " .
انتهى من " فتح القدير " (5/18) .
ومنه – أيضاً – قوله تعالى :
( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) الزخرف/81
.
قال ابن كثير رحمه الله :
" يقول تعالى : ( قل ) يا محمد : ( إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي : لو
فرض هذا : لعبدته على ذلك ، لأني عبد من عبيده ، مطيع لجميع ما يأمرني به ، ليس
عندي استكبار ولا إباء عن عبادته ، فلو فرض كان هذا ، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى
، والشرط لا يلزم منه الوقوع ، ولا الجواز أيضا " انتهى من " تفسير ابن كثير "
(7/241) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله في معرض كلامه على قوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ
فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) – :
" التعليق بالشرط لا يدل على إمكان المشروط ، لأننا نفهم من آيات أخرى أنه لا يمكن
أن يكون ، وهذا كقوله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم : ( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ
مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكَ ) ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يَشك ، ولكن على فرض الأمر الذي لا
يقع ، كقوله تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا
فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ، فإنه لا يمكن أن يكون
فيهما آلهة سوى الله عز وجل ، فتبين بهذا أن التعليق بالشرط لا يدل على إمكان
المشروط ، بل قد يكون مستحيلاً غاية الاستحالة " انتهى من " تفسير سورة الكهف "
(ص14) .
وعليه ، فقوله تعالى : ( قُلْ إِن ضَلَلْتُ ... الآية ) لا يدل على احتمال وقوع
الضلال منه صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا لا تدل عليه اللغة .
وننصحك أيها السائل ، أن لا
تطالع ما يكتبه أعداء الإسلام عن الإسلام من شبه ، مادام ليس عندك شيء من العلم
تدفع به تلك الشبه ، وللفائدة في هذا ينظر في جواب السؤال رقم :
(97726) .
والله أعلم .