عنوان الفتوى : حكم ترك مساعدة الناس خوفا من استخدامهم هذه المساعدة في الحرام
عندي وسواس الذنوب، حيث أقوم بقياس كل من حولي إذا ساعدتهم، بأنني سأكون مذنبا، لأن من الممكن أن يستعملوا ما أساعدهم به في الحرام، فما علاج ذلك؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن الموسوس يتعين عليه أن يعرض عن الوساوس ولا يلتفت إلى شيء منها، ولا يلتفت إلى الأوهام، بل يتجاهلها، وانظر الفتوى رقم: 51601.
وأما عن مساعدة الناس: فإنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الحض عليها، فقد ثبت عنه أنه قال: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه. أخرجه مسلم.
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله: سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي له دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة شهرا ـ ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام. رواه الأصبهاني في الترغيب، وابن أبي الدنيا، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.
وأما إن كانت المساعدة يخشى أن تكون سببا في توصلهم للحرام: فإن المسلم لا يجوز له أن يعين على معصية، وإذا علم علما محققا أن من يعينه سيستخدم ذلك في الشر، أو فيما هو مخالف للشرع، فإنه يكون مشاركاً له في الإثم وعليه مثل وزره، لأنه حينئذ في حكم إعطاء العنب لمن يعصره خمراً، أو السلاح لمن يتخذه للحرابة، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلاله كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً.
وأما إن لم يتحقق من ذلك، فإن غلبة الظن في ذلك تنزل منزلة العلم، كما هو الشأن في أغلب أحكام الشريعة، كما قال صاحب المراقي: بغالب الظن يدور المعتبر....
وقال الشاطبي في الاعتصام: الحكم بغلبة الظن أصل في الأحكام.
وبناء عليه، فمن غلب على ظنه أن المستفيد من الإعانة سيستعملها في المعصية، لغلبة ذلك التصرف على الناس، فليس له عونه، كما قال تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.
ومن لم يعلم من حاله استعمال المساعدة في الحرام، فلا حرج في عونه، إذ الأصل السلامة وحسن الظن بالناس.
والله أعلم.