عنوان الفتوى : أولاد الحسن والحسين رضي الله عنهما .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لسؤال: لدى صديق يقول : بأنه ينتهى نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن أنا أعرف أن أحفاده الحسن والحسين لم ينجبا ؛ فكيف يكون حفيده ؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق


الحمد لله
أولا :
مما يُذكر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم : أن أولاد ابنته فاطمة رضي الله عنها ورضي عنهم ، وذريتها ، ينسبون إليه ، ولا ينسبون إلى آبائهم ، لشرف النسب النبوي ، الذي لا نسب أشرف منه ولا أعلى قدراً منه .
انظر جواب السؤال رقم : (138509) .

ثانيا :
ليس كل من زعم أن نسبه ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون صادقا في زعمه ، فكم ممن يزعم ذلك ، وهو من أبعد الناس عنه نسبا ، وهؤلاء طوائف الصوفية ، باختلاف فرقهم وجماعاتهم ، عامتهم يزعمون أن إمامهم وصاحبهم من آل البيت ، وهذا من البلاء الذي ابتلي به المسلمون ، فإنهم يخدعون بذلك العامة والبسطاء من الناس حتى يقبلوا طريقتهم .
فلا يصح تصديق كل من انتسب إلى أهل البيت ، إلا إذا كان صحيح النسبة فعلا ، معروفا أمره بين علماء النسب ، مشهورا بذلك ، بالنقل المستفيض ، خلفا عن سلف ؛ وأما مجرد الزعم بذلك : فلا يعول عليه ، ولا يؤخذ به .
ثالثا :
الحسن بن علي رضي الله عنهما ولد فى نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، وتوفى بالمدينة سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: إحدى وخمسين، ودفن بالبقيع .
"تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 158) .
أما الحسين رضي الله عنه فقد ولد في شعبان سنة أربع من الهجرة ، واستشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين . "سير أعلام النبلاء" (4/ 348-371)
وقد أنجب الحسن والحسين بنين وبنات ، ومن أبنائهما من صار له ذرية إلى الآن ، ومنهم من انقطع نسله .
أما بنو الحسن : فقال الذهبي رحمه الله :
" بنو الحَسَنِ هُم : الحَسَنُ ، وَزَيْدٌ ، وَطَلْحَةُ، وَالقَاسِمُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ -فَقُتِلُوا بِكَرْبَلاَءَ مَعَ عَمِّهِمُ الشَّهِيْدِ- وَعَمْرٌو، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالحُسَيْنُ، وَمُحَمَّدٌ، وَيَعْقُوْبُ، وَإِسْمَاعِيْلُ، فَهَؤُلاَءِ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلاَدِ السَّيِّدِ الحَسَنِ. وَلَمْ يُعْقِبْ مِنْهُم سِوَى الرَّجُلَيْنِ الأَوَّلَيْنِ: الحَسَنِ وَزَيْدٍ، فَلِحَسَنٍ خَمْسَةُ أَوْلاَدٍ أَعْقَبُوا، وَلزِيدٍ ابْنٌ، وَهُوَ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ، فَلاَ عَقِبَ لَهُ إلَّا مِنْهُ، وَلِي إِمْرَةَ المَدِيْنَةِ، وَهُوَ وَالِدُ السِّتِّ نَفِيْسَةَ، وَالقَاسِمِ، وَإِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدِ اللهِ، وَإِبْرَاهِيْمَ، وزيد، وإسحاق، وعلي -رضي الله عنهم " .
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (4/ 347)

أما بنو الحسين : فقال الذهبي رحمه الله :
" أَولاَدُ الحُسَيْنِ هُمْ: عَلِيٌّ الأَكْبَرُ الَّذِي قُتِلَ مَعَ أَبِيْهِ، وَعَلِيٌّ زِينُ العَابِديْنَ، وَذُرِّيَتُهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجَعْفَرٌ، وَعَبْدُ اللهِ ، وَلَمْ يُعْقِبَا " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (4/ 372) .
انظر: "تهذيب التهذيب" (2/345) ، "تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 163) .

فتبين بذلك أن القول بأن الحسن والحسين رضي الله عنهما لم ينجبا : غلط ظاهر ، يعرفه كل من مارس تاريخ أهل البيت ، وعرف شيئا عن أخبارهم وأنسابهم .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المهدي من عترتي [أهل بيتي] ، من ولد فاطمة ) رواه أبو داود (4284) ، وابن ماجة (4086) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وقد ورد في بعض الأحاديث أن المهدي من ذرية الحسن ، وهذا يدل على أن ذرية الحسن ستبقى إلى آخر الزمان .
رابعا :
ينبغي أن يعلم : أن شرف النسب لا يفيد صاحبه فضيلة ولا شرفاً إلا إذا قرنه بالإيمان والعمل الصالح ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَن ْبَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ) رواه مسلم (2699) .
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي" :
"الْمَعْنَى مَنْ أَخَّرَهُ عَمَلُهُ عَنْ بُلُوغِ دَرَجَةِ السَّعَادَةِ ( لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ " مِنْ الْإِسْرَاعِ أَيْ لَمْ يُقَدِّمْهُ نَسَبُهُ , يَعْنِي لَمْ يَجْبُرْ نَقِيصَتَهُ لِكَوْنِهِ نَسِيبًا فِي قَوْمِهِ ، إِذْ لَا يَحْصُلُ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّسَبِ بَلْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ . قَالَ تَعَالَى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) , وَشَاهِدُ ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا أَنْسَابَ لَهُمْ يُتَفَاخَرُ بِهَا , بَلْ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ مَوَالٍ , وَمَعَ ذَلِكَ هُمْ سَادَاتُ الْأُمَّةِ وَيَنَابِيعُ الرَّحْمَةِ , وَذَوُو الْأَنْسَابِ الْعَلِيَّةِ الَّذِينَ لَيْسُوا كَذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ جَهْلِهِمْ نَسْيًا مَنْسِيًّا , وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : " إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الدِّينِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ " كَذَا قَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاةِ وَقَدْ صَدَقَ الْقَارِي .
ثم ذكر المباركفوري أن ابن الصلاح روى في "مقدمته" عن الزهري أنه قدم على عبد الملك بن مروان ، فذكر له أن من يسود البلاد هم أهل الدين والعلم ، وكانوا كلهم من الموالي .
فذكر له : عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ في مكة ، وطَاوُس بْن كَيْسَانَ في اليمن ، ويَزِيد بْن أَبِي حَبِيبٍ في مصر , ومَكْحُول في الشام ، ومَيْمُون بْن مِهْرَانَ في الجزيرة ، والضَّحَّاك بْن مُزَاحِمٍ في خراسان , والحسن البصري في البصرة . ثم ذكر إبراهيم النخعي في الكوفة ، فقال عبد الملك بن مروان : "فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ الْمَوَالِي ؟ قَالَ : مِنْ الْعَرَبِ . قَالَ عبد الملك : وَيْلَك يَا زُهْرِيُّ ! فَرَّجْت عَنِّي , وَاَللَّهِ لَيَسُودَنَّ الْمَوَالِي عَلَى الْعَرَبِ حَتَّى يُخْطَبَ لَهَا عَلَى الْمَنَابِرِ وَالْعَرَبُ تَحْتَهَا . قَالَ : قُلْت : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذًا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ وَدِينُهُ , مَنْ حَفِظَهُ سَادَ وَمَنْ ضَيَّعَهُ سَقَطَ " اِنْتَهَى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"تَعْلِيقُ الشَّرَفِ فِي الدِّينِ بِمُجَرَّدِ النَّسَبِ هُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ اتَّبَعَتْهُمْ عَلَيْهِ الرَّافِضَةُ وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيِّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ إلَّا بِالتَّقْوَى. النَّاسُ مِنْ آدَمَ ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ) وَلِهَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ يَمْدَحُ فِيهَا أَحَدًا بِنَسَبِهِ وَلَا يَذُمُّ أَحَدًا بِنَسَبِهِ؛ وَإِنَّمَا يَمْدَحُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ، وَيَذُمُّ بِالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: ( أَرْبَعٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي أُمَّتِي لَنْ يَدَعُوهُنَّ :الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ ، وَالنِّيَاحَةُ ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ) . فَجَعَلَ الْفَخْرَ بِالْأَحْسَابِ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ ...
وَالشَّرِيعَةُ إنَّمَا عَلَّقَتْ بِالنَّسَبِ أَحْكَامًا مِثْلَ كَوْنِ الْخِلَافَةِ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَوْنِ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُمْ الْخُمْسُ وَتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْفَاضِلَ مَظِنَّةُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُهُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا) ...
فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ دِينُ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ وَعَرَفَ نَوْعَ دِينِهِ وَقَدْرَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِنَسَبِهِ الْأَحْكَامُ الدِّينِيَّةُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَبِي لَهَبٍ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ لَمَّا عَرَفَ كُفْرَهُ كَانَ أَحَقَّ بِالذَّمِّ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا جُعِلَ لِمَنْ يَأْتِي بِفَاحِشَةٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضِعْفَانِ مِنْ الْعَذَابِ كَمَا جُعِلَ لِمَنْ يَقْنُتُ مِنْهُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ أَجْرَيْنِ مِنْ الثَّوَابِ. فَذَوُو الْأَنْسَابِ الْفَاضِلَةِ إذَا أَسَاءُوا كَانَتْ إسَاءَتُهُمْ أَغْلَظَ مِنْ إسَاءَةِ غَيْرِهِمْ ، وَعُقُوبَتُهُمْ أَشَدُّ عُقُوبَةً مِنْ غَيْرِهِمْ... لِأَنَّ مَنْ أَكْرَمَهُ بِنِعْمَتِهِ وَرَفَعَ قَدْرَهُ إذَا قَابَلَ حُقُوقَهُ بِالْمَعَاصِي وَقَابَلَ نِعَمَهُ بِالْكُفْرِ كَانَ أَحَقَّ بِالْعُقُوبَةِ مِمَّنْ لَمْ يُنْعِمُ عَلَيْهِ كَمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ".
انتهى من " مجموع الفتاوى "(35/230-231) .

والله تعالى أعلم .