عنوان الفتوى : توجيه قراءة ابن مسعود رضي الله عنه : (أن يضعن من ثيابهن غير متبرجات بزينة

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

قرأت في تفسير ابن كثير لسورة النور الآية رقم 60 قوله تعالى : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) أنه ذكر في تفسيره: " وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْره فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود " أَنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيَابهنَّ " وَهُوَ الْجِلْبَاب مِنْ فَوْق الْخِمَار " . وأشار إلى أن عبد الله بن مسعود قرأ الآية بشكل يختلف عما هي موجودة عليه في القرآن بشكله الحالي (أن يضعن ثيابهن) حيث أن ابن مسعود قرأها (أن يضعن من ثيابهن) . قرأت بعد ذلك فتواكم رقم : (141849) ردا على سؤال "هل كان ابن مسعود يجوز قرآة القرآن بالمعنى" والتي قلتم فيها : " كذلك أجمعت الأمة على أنه لا مدخل لبشر في نظم هذا القرآن ، لا من ناحية أسلوبه ، ولا من ناحية ألفاظه ، بل ولا من ناحية قانون أدائه " . سؤالي هنا: أي القراءتين هي الصحيحة (أن يضعن ثيابهن) أم (أن يضعن من ثيابهن) وإذا كانت الأولى هي الصحيحة فهل قراءة ابن مسعود خاطئة لإدخالة حرف الجر (من) على الآية ؟ وأليست قراءة حفص عن عاصم هي بالتواتر عن عبد الله بن مسعود ، فهل للآية قرائتان وكلاهما جائز؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أولاً :
هذه القراءة نسبها بعض المفسرين إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
انظر : " تفسير ابن أبي حاتم " (8/2642) ، " تفسير القرطبي" (12/309) ، "تفسير ابن كثير" (6/84) .
والظاهر أنه رضي الله عنه كان يقصد بذلك تفسير الآية ، ولا يقصد أنها نزلت كذلك .
فقد كان من عادة بعض الصحابة – لاسيما عبد الله بن مسعود – أنهم يكتبون في مصاحفهم تفسيرا لبعض الآيات ، ولا يميزونها عن الآيات ، اعتمادا منهم على أن لفظ الآية معروف ومحفوظ .
وقد شبه السيوطي رحمه الله ذلك بـ "الإدراج" في الحديث النبوي ، فقال :
"وظهر لي سادس ( أي من أنواع القراءات ) نوع شبه من أنواع الحديث المدرج ، وهو ما زِيد في القراءات على وجه التفسير كقراءة سعد بن أبي وقاص : "وله أخ أو أخت من أم " أخرجها سعيد بن منصور .
وقراءة ابن عباس : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج " . أخرجها البخاري ....
قال ابن الجزري في آخر كلامه : وربما كانوا يدخلون التفسير في القراءة ، إيضاحاً وبياناً ، لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قرآنا ، فهم آمنون من الالتباس ، وربما كان بعضهم يكتبه معه" انتهى من " الإتقان " (1/265-266).
وقال النووي في شرح "صحيح مسلم" (6/109) :
"قال المازري : وأما ابن مَسْعُودٍ : فَرُوِيَتْ عَنْهُ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ ، مِنْهَا مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ ، وَمَا ثَبَتَ مِنْهَا مُخَالِفًا لِمَا قُلْنَاهُ [يعني أنه مخالف لمصحف عثمان] : فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ فِي مُصْحَفِهِ بَعْضَ الْأَحْكَامِ وَالتَّفَاسِيرِ ، مِمَّا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ ، وَكَانَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ ذَلِكَ ، وَكَانَ يَرَاهُ كَصَحِيفَةٍ يُثْبِتُ فِيهَا مَا يَشَاءُ ، وَكَانَ رَأْيُ عُثْمَانَ وَالْجَمَاعَةِ مَنْعَ ذَلِكَ ، لِئَلَّا يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ ، وَيَظُنَّ ذَلِكَ قُرْآنًا " انتهى .
ويؤيد أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقرأ الآية كذلك ، على سبيل التفسير : أنه ورد عنه أنه كان يقرآ الآية القراءة المشهورة (أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة) ، ثم يتبع ذلك بأن المراد وضعُ بعض الثياب وهي الجلباب ، وليس الخمار .
روى ابن أبي حاتم (15638) بإسناده , عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ : فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ : " ( وَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ " : أَنْ يَضَعْنَ الْجِلْبَابَ ، وَلا يَضَعْنَ الْخِمَارَ " .
وروى أيضا (15643) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, فِي قَوْلِهِ: ( فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) : قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ : " أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ , وَهُوَ الْجِلْبَابُ مِنْ فَوْقِ الْخِمَارِ ، فَلا بَأْسَ أَنْ يَضَعْنَ عِنْدَ غَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا خِمَارٌ صَفِيق [هو الثوب الذي لا يصف البشرة]".
فهذا يدل على أن قراءته للآية (من ثيابهن) : هي قراءة تفسيرية .

ثانيا :
قراءة حفص هي عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب .
وقراءة شعبة هي عن عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود .
جاء في " جامع البيان في القراءات السبع " للداني (1/261) : " قال حفص : قال لي عاصم : ما كان من القراءة التي أقرأتك بها ، فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن عن عليّ بن أبي طالب .
وما كان من القراءة التي أقرأت بها أبا بكر بن عيّاش ، فهي القراءة التي كنت أعرضها على زرّ بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود " انتهى .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (178209) .

والله أعلم .