عنوان الفتوى : كتاب السنة لعبد الله بن أحمد هل فيه أحاديث ضعيفة ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل جميع ما ورد في كتاب السنة لعبدالله بن أحمد بن حنبل صحيحة ، أم يوجد فيه أحاديث ضعيفة أو موضوعة ؟ فقد سمعت من أحد مشايخ الصوفية المدعو نوح ها ميم كيلير يدعي أنه راجع الكتاب مع الشيخ شعيب الأرناؤوط ، وأنّ الشيخ شعيب ذكر أن نصف ما في الكتاب من أحاديث هي ضعيفة أو موضوعة! فما صحة ذلك؟ وإن كان هذا الأمر صحيحاً ، فلماذا قام ابن الإمام أحمد بذكر هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة؟ وهل يعني ذلك أنّ الأئمة أمثال : الإمام أحمد ، وصاحب كتاب السنة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، وغيرهم يوافقون على كل ما نسب إلى الله في ذلك الكتاب؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق


الحمد لله
أولا :
كتاب " السنة " هو لعبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى .
وهذا الكتاب يتناول عددا من موضوعات العقيدة ؛ كبعض المسائل في باب أسماء الله تعالى وصفاته والرد على الجهمية ، وباب الإيمان والرد على المرجئة والخوارج ، وباب القدر والقدرية ، وفتنة الدجال ، وعذاب القبر ، وغيرها من المسائل .
وطريقته أنه يذكر في كل مسألة عددا من الأحاديث والآثار ويعتني بنقل أقوال والده .
ثانيا :
أحاديث وآثار كتاب " السنة " ليست كلها على درجة واحدة ففيها الصحيح والحسن والضعيف .
ووجود بعض الأحاديث الضعيفة في هذا الكتاب لا يؤثر على قيمة الكتاب ومحتوياته للآتي :
1- المؤلف رحمه الله تعالى يذكر في كل مسألة عددا من الأحاديث والآثار ، فضعف بعضها لا يؤثر على حكم المسألة - في الغالب – لأن الحكم يكون ثابتا بالأحاديث الصحيحة ، ويكون ذكر الحديث الضعيف تقويةً لهذا الحكم وليس إثباتا له .
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وأهل الحديث لا يستدلون بحديث ضعيف في نقض أصل عظيم من أصول الشريعة ، بل إما في تأييده ؛ وإما في فرع من الفروع " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 4 / 25 ) .
كما أن بعض هذه الأحاديث والآثار الضعيفة هي مجرد طرق أخرى لأحاديث ثابتة صحيحة ؛ فلم تذكر استقلالا بل ذكرت على سبيل المتابعة .
2- تصحيح الأحاديث وتضعيفها في كثير من الأحيان هي عملية اجتهادية ، فقد يصحح إمام حديثا ويضعفه آخر ، فذكر المؤلف لحديث ضعيف : قد يكون ذكره اجتهادا ، فمثل هذا لا ينكر عليه ، ولا يكون سببا للطعن فيه .
3- قد يكون ذكر العالم للحديث الضعيف سببه : أنه لم يتبين له سبب ضعفه ، فقد يكون حصل له شيء من الوهم أو الخطأ أو حتى النسيان الذي لا يسلم منه بشر .
قال الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" ( 1 / 447 ).
" فإن بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة إما لذهول عن ضعفها وإما لقلة معرفة بالنقد " انتهى .
وراجع للأهمية الفتوى رقم ( 105726 ) .
4- طريقة بعض العلماء في التأليف : أنهم يذكرون الأحاديث بأسانيدها ويتركون التحقق من صحتها على مسئولية القارئ ، ويرون أن ذكرهم للإسناد كافٍ .
فهاهو " تفسير الطبري " يعتبر عند أهل العلم من أجل التفاسير بالاتفاق رغم أنه يحتوي على عدد من الأحاديث الضعيفة لكنه لما ذكرها بأسانيدها رأى أنه قد برئت ذمته بذلك .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
"والاكتفاء بالحوالة على النظر في الإسناد طريقة معروفة لكثير من المحدثين وعليها يحمل ما صدر من كثير منهم من إيراد الأحاديث الساقطة معرضين عن بيانها صريحا ، وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة ، وكان ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان " انتهى من " النكت على كتاب ابن الصلاح " ( 1 / 128 ) .
وقال رحمه الله تعالى :
" أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مئتين وهلمّ جرا ، إذا ساقوا الحديث بإسناده ، اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته . والله أعلم " انتهى من " لسان الميزان " ( 4 / 128 ) .
على أن المؤلف (عبد الله بن الإمام أحمد ) قد علق على بعض الأحاديث وبين ضعفها ، وتكلم على بعض الرواة وحكم بتوثيق بعضهم ، ونقل عن أبيه (الإمام أحمد) قوله في بعضهم .
انظر مقدمة الدكتور محمد بن سعيد القحطاني لتحقيق كتاب السنة (1/63-64) .
ثالثا :
سؤالك : (وهل يعني ذلك أنّ الأئمة أمثال : الإمام أحمد ، وصاحب كتاب السنة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، وغيرهم يوافقون على كل ما نسب إلى الله في ذلك الكتاب ؟)
أما مصنف الكتاب فإنه يُنظر إلى الطريقة التي أورد بها الحديث ، فإن أورده محتجا به فهو دليل على أنه يعتقد ما دل عليه هذا الحديث .
أما أهل العلم الذين أتوا بعده ومنهم ابن تيمية وابن القيم وغيرهما رحمهم الله تعالى ، فهؤلاء يرون أن كتاب " السنة " مصدرٌ من مصادر الأحاديث النبوية والآثار السلفية في أبواب العقيدة ؛ لأن جامعها محدث حافظ متقن ضابط لما يرويه ، لكن هذا الكتاب كغيره من كتب السنة التي ذُكر فيها الصحيح والضعيف ، فلا يصح أن يستدل بشيء مما فيها إلا بعد التأكد من صحته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وقد جمع طوائف من العلماء الأحاديث والآثار المروية في أبواب " عقائد أهل السنة " مثل : حماد بن سلمة ، وعبد الرحمن بن مهدي ... ومثل مصنفات أبي بكر الأثرم ، وعبد الله بن أحمد ، وأبي بكر الخلال ، وأبي القاسم الطبراني ، وأبي الشيخ الأصبهاني ، وأبي بكر الآجري ، وأبي الحسن الدارقطني ، وأبي عبد الله بن منده ، وأبي القاسم اللالكائي ، وأبي عبد الله ابن بطة ، وأبي عمرو الطلمنكي ، وأبي نعيم الأصبهاني ، وأبي بكر البيهقي ، وأبي ذر الهروي . وإن كان يقع في بعض هذه المصنفات من الأحاديث الضعيفة ما يعرفه أهل المعرفة .
... فالواجب أن يفرق بين الحديث الصحيح ، والحديث : الكذب فإن السنة هي الحق ، دون الباطل ؛ وهي الأحاديث الصحيحة ، دون الموضوعة . فهذا " أصل عظيم " لأهل الإسلام عموما ، ولمن يدعي السنة خصوصا " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 3 / 379 – 380 ) .

والله أعلم .