عنوان الفتوى : شرح حديث : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ )

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أسألتي ألا وهي : عن حديث دعوة الطعام لنبي صلى الله عليه وسلم مع الجارية والأعرابي بما يتعلق بالتسمية . س1 : ما صحة الحديث ومن رواه ؟ س2 : ماذا يعني جارية وما مصدرها ؟ س3 : كيف الرسول يمسك يد الجارية ؟ س4 : ما المقصود " وأن الشيطان يستحل الطعام ؟ س5 : ما المقصود في " وأنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها " ؟ س6 : وما هو قصد النبي صلى الله عليه وسلم " أن يدي في يدها مع يد الشيطان " ؟ س7 : وما هو الأعرابي وهل له اشتقاق ؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق


الحمد لله
أولا :
عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : " كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعَ يَدَهُ ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا ، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا ، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا ، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا ) " ، وهذا حديث صحيح ، رواه الإمام مسلم في صحيحه (1017) ، وكذا رواه أبو داود في سننه (3766) ، والإمام أحمد في مسنده (23249) .

ثانيا :
تطلق " الجارية " في اللغة ، ويراد بها عدة معان : منها : الفتية من النساء ، والصغيرة التي لم تبلغ – وهو الأشهر بأصل الوضع العربي كالغلام في الرجال- ، وتطلق على الرضيعة أيضا ، كما روى أبو داود (376) عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ ) ، صححه الألباني في " صحيح أبي داود " ، كما تطلق على الأمة .
كما تطلق الجارية على الشَّمْس ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لجَرْيِها مِنَ القُطر إِلَى القُطْر ، قال الله تعالى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) يس/38 .
وتطلق على السَّفِينَة ، قال تعالى : ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ ) الحاقة/11 ، سميت بذلك لأنها تجري في الماء .
وانظر : " لسان العرب " (14/141) ، " المعجم الوسيط " (1/119) .

قال أبو العباس الفيومي رحمه الله :
" الْجَارِيَةُ : السَّفِينَةُ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَرْيِهَا فِي الْبَحْرِ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَمَةِ : جَارِيَةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ ، لِجَرْيِهَا مُسْتَسْخَرَةً فِي أَشْغَالِ مَوَالِيهَا ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الشَّابَّةُ لِخِفَّتِهَا ، ثُمَّ تَوَسَّعُوا حَتَّى سَمَّوْا كُلَّ أَمَةٍ جَارِيَةً وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تَقْدِرُ عَلَى السَّعْيِ ، تَسْمِيَةً بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ " انتهى من " المصباح المنير " (1/98) .

فاشتقاق الجارية من الجري والخفة .
ثالثا :
المقصود بالجارية في هذا الحديث : البنت الصغيرة .
قال نشوان الحميري رحمه الله : " [الجارية] : الفتاة الصغيرة " انتهى من " شمس العلوم " (2/1048) .

وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله :
" الجارية في النساء كالغلام في الرجال ، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما " انتهى من " المفهم " ، وينظر : " شرح مسلم للنووي " (15/7) .

وقال القاري رحمه الله في شرح هذا الحديث :
" (فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ) : أَيْ بِنْتٌ صَغِيرَةٌ " انتهى من " مرقاة المفاتيح " (7/ 2729) ، وكذا قال في " عون المعبود " (10/ 172) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يعني طفلة صغيرة " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/192) .

فهذه الجارية التي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدها كانت طفلة صغيرة .

رابعا :
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) .

قال النووي رحمه الله :
" مَعْنَى ( يَسْتَحِلُّ ) : يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِهِ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ إِذَا شَرَعَ فِيهِ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْرَعْ فيه أحد فلا يتمكن " انتهى من " شرح النووي على مسلم " (13/189) .

خامسا :
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا ، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ) .
يعني : جاء بهما ليأكلا بدون تسمية ، فيستطيع أن يأكل معهما ، لأنه بذلك يكون طعاما لم يذكر اسم الله عليه ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الأعرابي وهذه الجارية : جاء بهما الشيطان لأجل أن يستحل الطعام بهما ، إذا أكلا بدون تسمية ، وهما قد يكونان معذورين لجهلهما : هذه لصغرها ، وهذا أعرابي ، لكن الشيطان أتى بهما من أجل أنهما إذا أكلا بدون تسمية ، شارك في الطعام " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/193) .

سادسا :
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا ) .
قال النووي رحمه الله :
" هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ (يَدِهَا) وَفِي بَعْضِهَا (يَدِيهِمَا) ، وَالتَّثْنِيَةُ تَعُودُ إِلَى الْجَارِيَةِ وَالْأَعْرَابِيِّ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّ يَدِي فِي يَدِ الشَّيْطَانِ مَعَ يَدِ الْجَارِيَةِ وَالْأَعْرَابِيِّ . وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ يَدِهَا بِالْإِفْرَادِ : فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْجَارِيَةِ وهو لا ينفي يد الأعرابي " انتهى من " شرح النووي على مسلم " (13/189) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أن يد الشيطان مع أيديهما في يد النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/193) .

والمعنى : أن يد الشيطان كانت مع يد الجارية والأعرابي فلما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم يديهما أمسك يد الشيطان أيضا .

سابعا :
الأعراب : هم سكان البادية ، يغلب عليهم الجهل والجفاء ، وقد هذبهم الإسلام .
فالأعرابي : من سكن البادية ، واشتقاقه من " عرب " .

قال الجوهري رحمه الله :
" العرب : جيل من الناس ، والنسبة إليهم عَرَبيّ بيِّن العروبة ، وهم أهل الأمصار . والأعراب منهم سُكّانُ البادية خاصَّة . وجاء في الشعر الفصيح : الأعاريب . والنسبة إلى الأعراب أعرابيٌّ ، لأنه لا واحد له . وليس الأعراب جمعاً لعرب ، وإنما العرب اسم جنسٍ " انتهى من " الصحاح " (1/178) .

وانظر إجابة السؤال رقم : (131936) .

والله أعلم .