عنوان الفتوى : نصوص فقهاء المالكية في تعليق التمائم
ما زال بعض النّاس يحمون أنفُسَهم وأولادهم وبيوتهم وسيّاراتهم من العين بتعليق ما يُسمّى عندنا بالخُمسة، وهي عبارة عن صورة يد أو كفّ مرسوم في راحتها عين، فما هو السّبيل إلى نصحهم؟ وما هي الأدلّة على ذلك من القرآن والسنّة؟ وحبّذا لو دعّمتم الجواب بأقوال أعيان المذهب المالكي؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالسبيل إلى نصح أولئك يكون ببيان الحكم الشرعي فيما يفعلونه وسوق الأدلة الصحيحة على تحريم تعليق التمائم، وأنها ـ إذا كانت من غير القرآن ـ فإنها من الشرك, وقد ذكرنا جملة من الأدلة على تحريم تعليق التمائم في عدة فتاوى بما يغني عن الإعادة هنا، فانظر الفتاوى التالية أرقامها: 162465, 177955، 208327، 162019.
وفقهاء المالكية ينصون على نزع التمائم ومنع تعليقها لدفع العين, ففي موطإ مالك ـ رحمه الله تعالى ـ جاء: بَابُ مَا جَاءَ فِي نَزْعِ الْمَعَالِيقِ وَالْجَرَسِ مِنْ الْعَيْنِ, وذكر فيه حديث أبي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَقِيلِهِمْ: لَا تَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ ـ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِك يَقُولُ: أَرَى ذَلِكَ مِنْ الْعَيْنِ. اهـ.
قال الزرقاني في شرحه للموطأ عن قول مَالِك: أَرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ ـ قال: أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَلِّدُونَ الْإِبِلَ أَوْتَارًا لِئَلَّا تُصِيبَهَا الْعَيْنُ بِزَعْمِهِمْ، فَأُمِرُوا بِقَطْعِهَا إِعْلَامًا بِأَنَّ الْأَوْتَارَ لَا تَرُدُّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا, وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَفَعَهُ: مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ ـ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتَّمِيمَةُ: مَا عُلِّقَ مِنَ الْقَلَائِدِ خَشْيَةَ الْعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ, قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِذَا اعْتَقَدَ الَّذِي قَلَّدَهَا أَنَّهَا تَرُدُّ الْعَيْنَ، فَقَدْ ظَنَّ أَنَّهَا تَرُدُّ الْقَدَرَ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ. اهـ.
وجاء في البيان والتحصيل لابن رشد: وأما التمائم بغير ذكر الله تعالى وبالكتاب العبراني وما لا يعرف ما هو: فلا يجيزه بحال لا لمريض ولا صحيح، لما جاء في الحديث من أن: من تعلق شيئا وكل إليه، ومن علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له ـ ولما رواه في موطئه من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعث في بعض أسفاره رسولا والناس في مقيلهم: لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وبر أو قلادة إلا قطعت. اهـ.
وقال ابن عبد البر المالكي في الاستذكار عند شرحه للحديث السابق: وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ -كَمَا قَالَ مَالِكٌ- لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى الصَّحِيحِ شَيْءٌ مَنْ بَنِي آدَمَ وَلَا مِنَ الْبَهَائِمِ بِشَيْءٍ مِنَ الْعَلَائِقِ خَوْفَ نُزُولِ الْعَيْنِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ. اهـ.
والله أعلم.