عنوان الفتوى : عدم توثيق المعاملات لا يعني بالضرورة ضياع الحقوق
اشترك ثلاثة إخوة في مشروع أقيم على قطعة أرض ملك أحدهم وتم سداد ثمن هذه القطعه كل حسب نصيبه ولم يتم تحرير أي مستند يثبت شراء هذه الأرض لصالح الشركاء نظرا للثقة التي كانت متوفرة بينهم والآن يقول أصحاب الأرض إنكم لكم عندنا ثمن الأرض بسعرها الآن وليس لكم عندنا أرض استنادا لعدم وجود مستندات تثبت شراء هذه الأرض والشركاء كل يريد نصيبه في الأرض ولا يريد ثمنها فما حكم الدين في ذلك ؟ وإذا كان صاحب الأرض قد توفي فما واجب أولاده تجاه هذا الموضوع ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل قد أمر بتوثيق العقود التي تقع بين الناس حسماً للنزاع، وسداً لباب الخصام، وحفظاً للحقوق، ولا فرق بين ما يقع من العقود بين الإخوان وغيرهم؛ بل إن الإخوان أولى بتوثيق ما يقع بينهم من المعاملات لأن المعاملات بينهم قد تخفى على غيرهم ولا تشيع كما تشيع المعاملات بين غير الإخوان، فقال جل من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282].
ومع هذا فإن هذا الأمر أمر إرشاد وتوجيه لما فيه المصلحة، وليس أمر إيجاب وإلزام، كما سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم:
14532
وعليه فإذا أبرم إنسان مع آخر عقد شركة أو بيع أو غيرهما دون توثيق وكتابة فقد خالفا ما أمرهما الله به، ولكن لا يعني ذلك أن العقد باطل وأن مدعيه كاذب، بل إن هذه الدعوى إذا ثبتت بإقرار المدعى عليه أو ببينة أخرى فإنها يعمل بمقتضاها، ويحكم لصاحبها بما ادعى.
إذا تقرر هذا.. علم أن من يدعي من هؤلاء الشركاء أنه دفع لمالك الأرض ثمن جزء منها، وثبت ذلك بإقرار المالك أو ورثته أو ببينة أخرى فلا يقدح فيها عدم كتابة ما ادعي.
وبالتالي فلا يحق للوارث ولا لغيره أن يمنعه من نصيبه من الأرض، بأي حجة لأن نصيبه من الأرض أصبح ملكاً له يتصرف فيه كما يشاء، ولا يحق لغيره التحجير عليه فيه ولا دفع ثمن له مقابله بغير رضاه.
هذا إذا ثبت أنه اشترى جزءاً من تلك الأرض من مالكها الأصلي.
وأخيراً ننصح السائل بتقديم مشكلته هذه إلى المحاكم الشرعية لأن مسألته هذه من المسائل التي لا يحسم النزاع فيها إلا القضاء.
والله أعلم.