عنوان الفتوى : ما هي ذنوب الخلوات ؟
هل يدخل الحسد واستجلاب الخيالات الجنسية ضمن ذنوب الخلوات ؟
الحمد لله
أولا :
التخيلات الجنسية نوع من الخواطر وحديث النفس الذي يطرأ على ذهن الإنسان ، وحديث
النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه : فمعفو عنه باتفاق العلماء .
فالتخيلات العارضة معفو عنها ، ولكن على العبد مدافعتها وعدم الاسترسال معها .
ولا يجوز للمسلم أن يستدعي تلك الخواطر ويمعن التفكير فيها ، ولا يجوز له أيضا أن
يسترسل خلف الخواطر متى عرضت له ؛ فإن ذلك سوف يجره إلى الحرام .
انظر إجابة السؤال رقم : (84066) .
ثانياً :
الحسد خلق ذميم يجب على المسلم أن يتنزه عنه . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "
الحسد : قيل : إنه تمني زوال نعمة الله على الغير ، وقيل : الحسد كراهة ما أنعم
الله به على غيره ، فالأول هو المشهور عند أهل العلم ، والثاني هو الذي قرره شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فمجرد كراهة ما أنعم الله به على الناس يعتبر حسداً .
والحسد محرم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه ، وهو من خصال اليهود
الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، ومضاره كثيرة " انتهى من " فتاوى
نور على الدرب " (24/ 2) بترقيم الشاملة .
ثالثا :
جاء في ذنوب الخلوات الحديث الذي رواه ابن ماجه (4245) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا
مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ
تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ) قَالَ
ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ
نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ
وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ
أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) . وصححه الألباني في
" صحيح ابن ماجه " .
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله :
" الحذر الحذر من الذنوب، خصوصًا ذنوب الخلوات ، فإن المبارزة لله تعالى تُسقط
العبد من عينه . وأصلح ما بينك وبينه في السر، وقد أصلح لك أحوال العلانية " .
انتهى من "صيد الخاطر" (ص 207) .
ينظر جواب السؤال رقم : (134211) .
وليس المقصود بهذا الحديث ، فيما يظهر : كلّ من ارتكب معصية في السر ، فإن صغائر الذنوب لا يسلم منها أحد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
والذي يظهر أن المقصود بهذا الحديث ، المنافقون أو أهل الرياء ، الذين يُظهرون
أمام الناس الصلاح والتقوى فإذا ابتعدوا عن أعين الناس ظهروا على حقيقتهم ، فلم
يراعوا لله عز وجل حرمة .
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
( الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ : إظْهَارُ
زِيِّ الصَّالِحِينَ فِي الْمَلَأِ وَانْتِهَاكُ الْمَحَارِمِ وَلَوْ صَغَائِرَ فِي
الْخَلْوَةِ ) أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ ثَوْبَانَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ : { لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِأَعْمَالٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بَيْضَاءَ فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ هَبَاءً
مَنْثُورًا .... الحديث
ثم قال في آخر البحث :
تَنْبِيهٌ : عَدُّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ
وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ دَأْبُهُ إظْهَارَ الْحَسَنِ
وَإِسْرَارَ الْقَبِيحِ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ وَإِغْوَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ ؛
لِانْحِلَالِ رِبْقَةِ التَّقْوَى وَالْخَوْفِ مِنْ عُنُقِهِ " انتهى من "الزواجر
عن اقتراف الكبائر" (356) .
وبناء على هذا ، فمن يظهر للناس أنه يحبهم ، ولكنه في حقيقة الأمر يبغضهم
ويحسدهم ، فقد وقع في ذنوب الخلوات القلبية .
ومثله : من يظهر لهم الصلاح ، وهو ليس كذلك ، أو يظهر التعفف والصيانة ، فإذا خلا
بنفسه ، استجلب الأفكار والخواطر الفاسدة : فإنه يُخشى عليه أن ينطبق هذا الوعيد
الشديد الوارد في هذا الحديث ، وهو ضياع حسناته .
نسأل الله تعالى العفو والعافية .
والله أعلم .