عنوان الفتوى : يخشى من ضيق الرزق ونفاد مدخراته
أعاني منذ فترة طويلة من القلق بشأن رزقي في هذه الدنيا مع علمي بأنّ الرزق بيد الله سبحانه وتعالى ، وأنّ الرزق مقدر لا يزيد أو ينقص مهما حدث ، ولكن تكمن المشكلة في أنه منذ أن أنهيت دراستي حيث كان ذلك قبل فترة طويلة من الزمن ، وأنا لا استطيع كسب ما يتناسب مع ما أبذله من جهد في العمل ، فمعظم ما أنفقه هو من ميراثي ومدخراتي ، مما جعل الوساوس تدخل إلى قلبي بأنني لا أعمل بما فيه الكفاية لأكسب ما يكفي من الرزق ، وهذا الأمر يجعلني أشعر بالخجل من عائلتي ، أنا لا أنكر نعم الله علي - الحمد لله - ، وأعلم أنه هو الرزاق ، ولكن إحساسي بعدم القدرة على كسب الرزق أتعبني نفسياً ، خصوصاً وأنني أعيل العديد من الأشخاص ، وإذا بقي الحال كما هو عليه ستنفد مدخراتي في يوم من الأيام ، وذلك يجعلني دائما أظن بأنني لا أعمل بما فيه الكفاية ، لذا أحتاج لنصيحتكم حتى أرتاح من القلق والتوتر الذي أعاني منه بسبب هذه المسألة .
الحمد لله
قد قدَّر الله تعالى الأرزاق لكل إنسان ، وسوف يصل إلى كل إنسان ما قُدِّر له ، بلا
زيادة ولا نقص ، فلا يمكن للإنسان – مهما فعل – أن يأخذا أكثر مما كتب له ، كما لا
يمكن أيضا أن ينقص عما كتب له ، حتى شبه الرسول صلى الله عليه وسلم الرزق بالأجل ،
فقال صلى الله عليه وسلم : ( لو أنَّ ابنَ آدمَ هرب من رزقِه كما يهرُبُ من الموتِ
، لأدركه رزقُه كما يُدرِكُه الموتُ) .
صححه الألباني في " السلسلة الصحيحة "(952) .
فعلى الإنسان أن يطمئن إلى أنه سيستوفي رزقه كاملا .
غير أن هذا الرزق قد قدَّره الله تعالى وقَّدر معه أسبابه ، كالعمل والاجتهاد
والهدايا والميراث ... وغير ذلك من أسباب الرزق ، فعلى المسلم أن يطلب الرزق
بأسبابه المباحة طلبا معقولا ، فلا يبالغ في الطلب حتى تكون الدنيا أكبر همه ، ولا
يقصر في الطلب حتى يكون عاجزا وعالة على الناس ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم
: ( أَيُّهَا النَّاسُ ، اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، فَإِنَّ
نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ،
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ؛ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا
حَرُمَ ) صححه الألباني في " صحيح ابن ماجة "(2144) .
ومعنى (وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ) "أن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة ، بغير كد
ولا حرص ، ولا تهافت على الحرام والشبهات " انتهى من "فيض القدير" (2/471) .
وقال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ
لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ، تَغْدُو خِمَاصًا ، وَتَرُوحُ بِطَانًا )
رواه الترمذي (2344) ، وابن ماجه (4164) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
فذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يرزق الناس كما يرزق الطير ، غير أنه
صلى الله عليه وسلم ذكر أن الطير تعمل وتسعى في طلب الرزق فقال : ( تَغْدُو... ) ؛
فكذلك الإنسان عليه أن يعمل ويطلب الرزق ، وسوف يأتيه ما قدَّره الله له ، وقد قال
الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3
.
فإذا بذل الإنسان وسعه وطاقته ، ولم يأته ما يكفيه من الرزق : فالواجب عليه هنا أن يسلم للقَدَر ، ويستمر في العمل ، فإنه لا يدري متى يفتح الله تعالى له خزائنه ؟
والله تعالى له الحكمة في توسعة الرزق على من يشاء ، أو تضييقه على من يشاء ؛ قال الله تعالى : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) الرعد /26 .
وقد رزقك الله تعالى من
الميراث ومن مدخراتك ما تنفقه على نفسك ، وهذا رزق طيب من الله ، قد وصل إليك .
وقد تنفد تلك المدخرات والميراث ، وقد لا تنفد ، وقد تزيد ، وقد تنقص ، لا أحد يعلم
ذلك إلا الله ؛ لكن الذي نعلمه يقينا أن كل إنسان سيأتيه رزقه الذي قدَّره الله
تعالى ، وأنه يجب عليه – شرعا – أن يبذل الأسباب الملائمة لنيل رزقه ، بحسب وسعه
وطاقته ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
نسأل الله تعالى أن يوسع عليك رزقه وأن يوفقك لكل خير.
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |