عنوان الفتوى : حكم العمل في تنزيل برامج تستخدم في الخير والشر

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

فضيلة الشيخ: أنا شاب من فلسطين، ومهنتي مهندس كمبيوتر. كنت أعمل في مؤسسات السلطة الفلسطينية الأمنية. وظيفتي هي تركيب وصيانة، وتنزيل برامج، وعمل نسخ احتياطية من هذه البرامج التي يُدخلون عليها المعلومات الأمنية على أجهزة الكمبيوتر لهذه المؤسسة. وأنت تعلم فضيلة الشيخ أن ضباط الأمن يستخدمون هذه البرامج في الخير والشر؛ حيث يخزنون عليها معلومات عن تجار مخدرات، وسرقات، وقضايا قتل. وإضافة إلى ذلك يخزنون معلومات عن الفصائل، والأحزاب الإسلامية، والوطنية، ومعلومات عن أفرادها وتحركاتهم. وكنت أفكر أنه لا يلحق بي إثم؛ لأني لا أتدخل في ما يدخلون من معلومات، فهم أحرار يستطيعون أن يستخدموها للحلال أو للحرام بإدخالهم المعلومات التي يريدون تخزينها, وكنت قد استشرت علماء فقه في الموضوع من أساتذة الجامعات في الضفة، وقالوا لي: لو أن كل إنسان متدين يريد أن يترك عمله, فمن سيبقى! ولكني غير مطمئن لهذا القول, وقد قمت بتقديم استقالتي من العمل، ولم أرجع إلى العمل؛ لأني أشعر أني أعاون على ظلم بعض الناس، علما أني طيلة عملي لم أقدم أي معلومة عن أحد، ولم أمارس أي عمل أمني، ولم أقم بإيذاء أحد مباشرة، ولو سئلت عن أي شخص لم أكن لأقدم أي معلومة تضر بإنسان تقي, ولكني أشعر بضيق من هذه الوظيفة, وأبكي حين أفكر أني كنت من أعوان الظلمة, وكنت قد وفرت مبلغا من هذه الوظيفة ولا أدري ماذا أفعل بهذا المال, وأنا حاليا لم أجد عملا بعد الاستقالة حيث إني متزوج ولي بنت. فضيلة الشيخ أرشدني رحمك الله ورحمني. أرجو أن تجيبني فضيلتكم فإني التجأت إليكم لأني أتوخى فيكم التقوى لكي ترشدوني.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا علمت أو غلب على ظنك أن هذه البرامج يستعان بها على ظلم البريء وإيذاء الصالح، لم يجز لك تنزيلها، أو عمل النسخ الاحتياطي لها؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وأما إذا لم يحصل بذلك جزم أو غلبة ظن، بل مجرد شك في استخدامها في الظلم، فلا يحرم العمل، ولكن لو تركه الإنسان تورعا كان خيرا، فقد سأل وابصة النبي صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: ..... استفت نفسك، استفت قلبك يا وابصة، ثلاثاً، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. أخرجه الدارمي وأحمد عن وابصة.

فالورع هو ترك ما لا بأس به حذراً مما به البأس، وأصله قوله صلى الله عليه وسلم: من ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. رواه مسلم. وقال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. رواه النسائي وغيره.
وأما ما اكتسبته من ذلك العمل مع عدم جزمك بالحرمة، أو عدم علمك بها، فلا حرج عليك في الانتفاع به .
ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ونسأل الله أن يوسع عليك، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه  فقد قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق: 2-3}. ورزق العبد مضمون لن يفوته منه شيء، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، وثبت في الحديث: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوفي رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم وصححه الألباني في الجامع.
 
والله أعلم.