عنوان الفتوى : يخاف أن ينهى عما يظنه منكرا فيتبين أن فيه خلافا سائغا
, أحيانا أجد أناسا يفعلون أشياء أعتقد أنها محرمة ، وأود نصحهم ولكني أقول في نفسي : ربما تكون المسألة فيها خلاف سائغ وأنا لا أعلم . فماذا أفعل في هذه الحالة . حيث إني أعتقد أن هذه الأشياء محرمة بناء على أخذي بقول عالم يقول بذلك ؟
الحمد لله.
لا ينبغي أن تبادر إلى إنكار ما سمعت بتحريمه حتى تتحقق من عدم وجود الخلاف السائغ والمعتبر فيه ، والمنكرات قسمان :
القسم الأول : المنكرات الظاهرة التي يعلمها عامة المسلمين ، كالتفريط في الصلاة ، والكذب والظلم والغش والخيانة وأكل حقوق الناس ، فهذه المنكرات ينبغي لكل مسلم أن ينكرها .
القسم الثاني : المنكرات التي فيها شيء من الخفاء في حكمها أو اختلف فيها العلماء المجتهدون ، فهذه المنكرات لا يتكلم فيها إلا العلماء بحكمها وبأدلتها ومذاهب العلماء فيها .
قال النووي رحمه الله :
" إنما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه ، وذلك يختلف باختلاف الشيء ، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة ، كالصلاة ، والصيام ، والزنا ، والخمر ، ونحوها ، فكل المسلمين علماء بها .
وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ، ومما يتعلق بالاجتهاد ، لم يكن للعوام مدخل فيه ، ولا لهم إنكاره ، بل ذلك للعلماء .
ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه ، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه " انتهى من " شرح مسلم " (2/ 23)
وليس من الحكمة أن يتعجل الإنسان في الإنكار لمجرد قول عالم سمعه أو قرأه ، فقد يكون في المسألة خلاف بين العلماء ، وهناك أدلة أخرى لا يعلمها ، وقد يكون الصواب هو القول الآخر الذي لا يعلمه الآن .
والله عز وجل يقول : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36.
وكثير من يتعجل في الإنكار إذا أكرمه الله بطلب العلم الشرعي والتوسع فيه ، تبين له فيما بعد أنه كثيرا ما كان ينكر ما ليس بمنكر ، ولذلك ذكر العلماء أنه لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه .
قال الإمام سفيان الثوري : "لا يأمر بالمعروف ، ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث :
رفيق بما يأمر ، رفيق بما ينهى .
عدل بما يأمر ، عدل بما ينهى .
عالم بما يأمر ، عالم بما ينهى " رواه أبوبكر الخلال في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " (ص24).
وهذا مما يدخل في قول الله عز وجل : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف/108.
قال ابن القيم رحمه الله :
" إذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها ، فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه ، بل لا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى أقصى حد يصل إليه السعي" انتهى من " مفتاح دار السعادة " (1/154) .
وإذا لم يلتزم المسلم بهذا وتكلم فيما لا يعلمه فإنه سيفسد وهو يظن أنه مصلح ، فقد ينهي الناس عن المعروف أو يأمرهم بمنكر أو يتسبب في نزاعات وخصومات بين المسلمين ، ولذلك قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : " من عمل بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح " رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7/ 175).
والحاصل : أنه ينبغي أن تقتصر في نصحك على ما تعلمه ، وما لا تعلم فيه إلا قول عالم من العلماء فدعه حتى تتعلمه .
ولإفادة المزيد يرجى مراجعة الأرقام الآتية : (8294) ، (70491) ، (177830)
والله أعلم .