عنوان الفتوى : هل المرأة التي تبرعت بشعرها للجهاد في سبيل الله من الصحابيات ، وما قصتها ؟
سؤالي بخصوص الصحابية التي أرادت أن تتبرع بشعرها في إحدى معارك الجهاد ؛ لأنها كانت فقيرة . فهل هذه الحادثة صحيحة ؟ وإذا كانت كذلك فأرجو ذكر الواقعة كاملة مع ذكر اسم الصحابية ?
الحمد لله
لم نقف في السير والتراجم على قصة صحابية تبرعت بخصال شعرها للجهاد في سبيل الله ،
فهذا الأمر منكر في الشريعة الإسلامية ولا يحل ، فشعر المرأة جزء من آدمي مكرم ، لا
يستعمل قيد فرس باسم الجهاد ، وهو لا يغني شيئا في القتال ، وقد سبق في موقعنا بيان
حكم التبرع به في الفتوى رقم : (101430)
كما أنه في حال قصِّه يأخذ الحكم نفسه في حال اتصاله عند فقهاء الحنفية والشافعية ،
فلا يحل للرجل الأجنبي النظر إليه ، ولا لمسه ، كما جاء في " مغني المحتاج "
(4/217) من كتب الشافعية : " كل ما حرم نظره متصلا حرم نظره منفصلا ". وجاء في "
الدر المختار مع رد المحتار " (6/371): " كل عضو لا يجوز النظر إليه قبل الانفصال ،
لا يجوز بعده " ، وانظر " الموسوعة الفقهية " (7/40) .
وبعض الفقهاء الذين قالوا إن الشعر المنفصل ، ليس له حكم المتصل ، من حيث النظر
واللمس ، ونحو ذلك ؛ صرح بعدم جواز استعماله ، لكرامة الآدمي .
قال البهوتي رحمه الله :
" (وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ) مَعَ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ
(لِحُرْمَتِهِ) أَيْ احْتِرَامِهِ " انتهى من " كشاف القناع " (1/57) ، وينظر: "
الشرح الكبير" (1/78) .
فلذلك نقول : إنه ليس هذا الشأن من عمل الصحابيات الفقيهات ، ولا نعلم لمثل هذا
الكلام أصلا في الرواية عنهن .
وغاية ما هنالك ، فيما وقفنا عليه : قصتان ذُكرتا في بعض كتب السير والتاريخ ، لم
تنسب لإحدى الصحابيات ، وإنما الأولى امرأة من أهل الرقة في الشام ، في عهد هارون
الرشيد .
والثانية من الشام أيضا ، وقصتها مع أبي قدامة الشامي قائد الجهاد ضد الروم إذ ذاك
.
وغالب الظن أن القصة الأولى أقرب إلى القبول من الثانية ؛ لأنها رويت بالإسناد
الإخباري المقبول ، أما الثانية فمرسلة لا إسناد لها .
ونحن هنا لا نجزم الحكم بقبول أو رد الحكاية الأولى ، فأمرها وارد قد يقع مثله في
التاريخ ، ونرجو لتلك المرأة الرقية أن تنال الأجر والثواب على حسن نيتها وخالص ما
في قلبها من رغبة الجهاد ، لكن ذلك لا يعني جواز فعلها وصحته من الجهة الشرعية ،
فالغالب أن هذه المتبرعة بذؤابتيها لا تعلم الحكم الشرعي ، ولو كانت تعلمه لالتزمت
به .
أما الحكاية الأولى :
فيقول أبو الفرج المعافى بن زكريا (ت390هـ) رحمه الله:
" حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، قال : حدثنا أبو عكرمة الضبي ، قال : حدثنا
العتبي ، عن أبيه قال :
سبا الروم نساء مسلمات ، فبلغ الخبر الرقة وبها الرشيد ، ومنصور بن عمار هناك ، فقص
منصور يحض على الغزو ، فإذا خرقة مصرورة مختومة قد طرحت إلى منصور ، وإذا كتاب
مضموم إلى الصرة فقرأه فإذا فيه :
إني امرأة من بيوتات العرب ، بلغني ما فعل الروم بالمسلمات ، وبلغني تحضيضك على
الغزو ، فعمدت إلى أكرم شيء في بدني علي ، وهما ذؤابتاي ، فجززتهما وصررتهما في هذه
الصرة المختومة ، فأنشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فرس غاز في سبيل الله ،
فعَلَّ الله ينظر إلي نظرة على تلك الحال فيرحمني .
فبلغ ذلك الرشيد فبكى ، ونادى النفير " .
انتهى من " الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي " (ص: 634) .
وهذا إسناد يقبل مثله في التاريخ والأخبار ، وإن لم نقف على ترجمة والد العتبي .
فالحسين بن القاسم (ت327هـ) شيخ المعافى ترجمته في " تاريخ بغداد " (8/647) قال
فيها الخطيب : ما علمت من حاله إلا خيرا .
وأبو عكرمة الضبي ترجمته في " معجم الأدباء " (4/ 1479) لياقوت الحموي ، جاء فيها :
" عامر بن عمران بن زياد أبو عكرمة ، الراوية الضبي السُّرَّمَرِّي ، كان نحويا
لغويا أخباريا ، حدث عن العُتْبِيّ ، وأخذ عن ابن الأعرابي ، وإسحاق بن إبراهيم
الموصلي . وعنه القاسم بن محمد بن بشار الأنباري . وكان أعلم الناس بأشعار العرب
وأرواهم لها ، وكان في أخلاقه شراسة . وصنف كتاب الخيل . وكتاب الإبل والغنم . مات
سنة خمسين ومائتين " انتهى.
والعتبي ، قال عنه الذهبي : " العلامة ، الأخباري ، الشاعر ، المُجَوِّد ، أبو عبد
الرحمن ، محمد ، بن عبيد الله ، بن عمرو ، بن معاوية ، بن عمرو ، بن عتبة ، بن أبي
سفيان ، بن حرب الأموي ، ثم العتبي ، البصري . روى عن : ابن عيينة، وأبي مخنف ،
ووالده . وعنه : أبو حاتم السجستاني ، وإسحاق بن محمد النخعي . وكان يشرب . وله
تصانيف أدبيات ، وشهرة . مات: سنة ثمان وعشرين ومائتين " انتهى من " سير أعلام
النبلاء " (11/96)
وقد علق المؤلف القاضي أبو الفرج – وقد كان من أعلم الناس في زمانه بأنواع العلوم
-:
" قد أتت هذه المرأة بما دل على خلوص دينها ، وصحة يقينها ، وغضبها لربها ، وغيرتها
على أهل ملتها ، وامتعاضها عندما بلغها من انتهاك أعداء الله محارمه التي حرمها ،
واستخفافهم بحدود الإسلام التي عظمها . وقصدت بما أتته من جزها ذؤابتيها التقرب إلى
خالقها ، ورجاء مغفرته لها . والله يحقق برأفته وسعة رحمته رجاءها ، ويغفر لنا ولها
.
ولم تقصد بما فعلته الأمر الذي حرم عليها فنؤثمها ، فقد جاء عن النبي صلى الله علي
وسلم أنه لعن الغارفة وهي التي تجز ناصيتها عند المصيبة .
وإلى الله نرغب في أن يجعلنا ممن يغضب له ، ويحامي عن دينه ، ويوالي ويعادي فيه
بتوفيقه " انتهى .
وأورد العلامة ابن الجوزي رحمه الله أيضا مثل هذه الحكاية عن بعض المصطفيات من
عابدات الرقة ، وفي آخرها قوله :
" وأمر هارون أن ينادى بالنفير ، فغزا بنفسه ، فأنكى فيهم ، وفتح الله عليهم .
قلت [ يعني ابن الجوزي ]: هذه امرأة حسن قصدها ، وغلطت في فعلها ؛ لأنها جهلت أن ما
فعلت منهي عنه ، فلينظر إلى قصدها " انتهى من " صفة الصفوة " (2/363) .
أما القصة الثانية : فهي قريبة المعنى من تلك القصة ، ذكرها الإمام ابن الجوزي رحمه
الله ، عن : عابدة أخرى من أهل الشام .
ينظر : " صفة الصفوة " (2/363-364) .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |