عنوان الفتوى : هددها زوجها بترك البيت إن لم تقبل بسكنى والدته معهما
اعتنقت الإسلام منذ بضع سنين ، لا يوجد عندي أحد اسأله ، وعائلتي غير مسلمة ، أريد أن أعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم يتعاملون مع القضايا العائلية ، مثلاً: كيف كانوا يتصرفون في حال عيشهم مع عائلة الزوج ؟ هل تأثم الزوجة في حال رفضها العيش في منزل عائلة زوجها ؟ وهل يجب على الزوج أن يحضر والديه إلى البلد الذي يعيش فيه مع زوجته مع العلم أنّ عائلة الزوج يوجد لديهم من يعتني بهم في البلد الذي هم فيه ؟ وهل يأثم الزوج في حال أصر على إحضار أمه للعيش معه إن جهز لها مكاناً مستقلاً لتعيش فيه أم يجب عليه أن يسكنها في نفس البيت معه ومع زوجته وأطفاله ، والبيت ليس واسعاً ، ويوجد به حمام ومطبخ واحد فقط ؟ وكيف يمكن للرجل الاعتناء بأمه إن كانت تعيش في بلد آخر؟ فنحن وإن كنا من أصول مختلفة لكننا نعيش وفق أحكام الشريعة. وهل يجوز لي أن أطلب من زوجي أن يجهز لأمه مكاناً مستقلاً لتعيش به في حال أتت للعيش معنا ولم يفلح الأمر؟ لقد أثارت هذه القضية الجدل بيني وبين زوجي ونريد حلاً ، فقد قال زوجي : إنه سيتركني والأطفال في حال عدم موافقتي على السماح لأمه بالعيش معنا .
الحمد لله
أولا :
سبق أن بينا في أجوبة عديدة : أن من حقوق الزوجة على زوجها : أن يسكنها في مسكن
يليق بمثلها ، بحسب طاقته .
وأن من حقها عليه ـ أيضا ـ أن يكون هذا المسكن مستقلا بها ، تنفرد ببابه ، ومرافقه
، وألا يسكن فيه أحد من أقاربه ، أو أقاربها ، ولو كانا الوالدين ، بغير إذنها
ورضاها .
وينظر جواب السؤال رقم : (7653) ، ورقم : (81933)
.
ثانيا :
إذا لم يكن لأم الزوج منزل خاص يؤيها ، ولم يكن لها أيضا مال تستأجر به سكنا خاصا
بها ، وجب على ابنها أن يسكنها في مسكن يليق بها ، بحسب وسعه وطاقته .
وإذا كان سكن الزوجة واجبا على الزوج ، وسكن الأم ، عند الحاجة وعدم من يكفيها ،
واجبا على ولده : فلا يحل له أن يخل بأحد الواجبين ، مع قدرته عليه ، بل عليه أن
يعطي كل ذي حق حقه ، بحسب قدرته .
وهنا تكون النصيحة للزوجة :
إذا رأت أهل زوجها في اضطرار للعيش والسكنى مع ابنهم : أن تتحمل مع زوجها بعض الشيء
، فهذا من تمام الإحسان إلى العشير ، وأن تتنازل عن بعض حقها ، بغية الإبقاء على
المودة والسكن وحسن العشرة بينهما .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (83778)
.
ثالثا :
إذا كان الأمر على ما ذكر في السؤال من أن والدة الزوج تقيم في بلدها الأصلي ،
وتستطيع أن تقوم بأمر نفسها ، من غير ضرر بيِّنٍ عليها ، أو كان عنده من يقوم
بشأنها ، ولا ضرر عليها في البقاء حيث تعيش : فلا يجب على الزوج أن يستقدمها لتعيش
معه في البلد الذي يعيش أو يعمل فيه .
بل ربما كان بقاؤها في بلدها أنفع وأصلح للجميع ، لا سيما مع توقع حدوث مشكلات بسبب
مكان سكنها وإقامتها إذا انتقلت إلى بلد إقامة ابنها .
وحينئذ : فالواجب عليه أن يبرها بما يستطيع ، وأن يواصلها دائما ، ولا ينقطع عنها
بالزيارة ، كلما أمكنه ذلك ، وتفقدها بالسؤال والاتصال ، وإن كانت في حاجة إلى مال
، بذل لها ما يمكنه من ذلك ، وتعاون مع إخوته على نفقة والدتهم ، كل بحسب قدرته
وطاقته ، إن لم يكن لها مال خاص بها يكفيها .
ونصيحتنا لزوجك ألا ينساق وراء عاطفته ، بنقلها إلى بلد إقامته وعمله ، فيحمل نفسه
أمرا لا يطيقه ، وربما يتسبب في مشكلات وضرر له ولأهل بيته ، لأجل أمر هو في غنى
عنه ، وليست والدته مضطرة إليه .
رابعا :
إذا احتاجت الوالدة إلى الانتقال إلى بلد إقامتك مع زوجك ، أو أصر زوجك على فكرة
نقلها : فالواجب عليه أن يسكنها في مسكن مستقل بها ، بحيث لا تضرر هي بالسكنى فيه ،
ولا تضرر زوجته وأولاده بشركتهم في منزله .
فإن رفض الزوج ذلك ، أو كان ذلك مما يعاب في بلده ، أو يفسد العلاقة بينه وبين أمه:
فنصيحتنا لك : أن تجاهدي نفسك على تقبل هذا الوضع ، ولو فترة من الزمن ، إلى أن
يجعل الله لك منه فرجا ومخرجا ، وليس هذا بالأمر الشاذ ، ولا هو من الأمر الذي لا
يطيقه الناس ؛ بل ما زال ذلك شائعا في كثير من الأسر ، وقد أمكن الكثير من الزوجات
العاقلات أن يتقبلنه ، ويتكيفن معه .
نعم ؛ نحن نعلم أن ذلك يشق عليك كثيرا ، لا سيما إذا لم تعتاديه من أول الأمر ،
ونعلم أيضا أنك قد تتضررين به في أشياء ، ونحن لا نرحب بمثل ذلك الوضع ، ولا ننصح
الزوج به ، إلا اضطرارا ؛ لكننا ـ مع ذلك ـ نرى أن هذا أخف الضررين ، وأقل الأمرين
سوءا ، ففساد العلاقة بينك وبين زوجك ، ليس بالأمر الهين ، وأشد من ذلك أن ينفذ ما
يقوله لك من أنه سيتركك أنت وأبناءك ، إذا لم تقبلي بهذا الوضع .
نعم ؛ هو مخطئ في هذا النمط من التفكير ، وهو مخطئ في أن يوقع نفسه في تلك
الموازنات ، أو المآزق ، لكن : أشد خطأ من ذلك أن تمضي معه في المواجهة إلى آخر
الطريق ، وإلى خيار لا يرضاه عاقل .
والخلاصة :
أن من حقك على زوجك : أن يوفر لك مسكنا مستقلا ، وليس له أن يجبرك على سكنى أمه معك
، خاصة إذا كان لها مسكن آخر ، أو كان لها في بلدها من يعتني بها .
لكننا ننصحك ألا تخسري زوجك وبيتك لأجل هذه المشكلة ، بل تعاملي مع الأمر بحكمة ،
وإذا لم يكن أمامك خيار آخر ، فتقبلي ذلك الوضع مؤقتا ، إلى أن ييسر الله لك فرجا
ومخرجا .
نسأل الله أن يصلح لك شأنك ، ويصلح لك زوجك ، ويجمع بينهكما في خير .