عنوان الفتوى : حكم إجراء عملية جراحية للأم من مال أولادها بغير رضاهم
جدي توفي وترك إرثاً منه ما قُسِّم ومنه ما لم يقسَّم ، والذي لم يُقسَّم عند والدتي لم تسلمه بعد للورثة ( إخوتها وأخواتها ) وجدتي زوجة جدي المتوفي التي هي أم الورثة لديها مشكلة في عينيها وتريد إجراء عملية مستعجلة لأنها إذا تأخرت ستصاب بالعمى والورثة الذين هم أولادها لا يريدون دفع المال للعملية وما معها من المال لا يكفي لإجراء العملية ، فهل يجوز لأمي أن تأخذ من أموال إرثهم التي عندها لأجل العملية وإن كان يجوز فكم النسبة التي تأخذها منهم يعني هل تأخذ منهم بالتساوي أم من الذكور أكثر من الإناث ، وهل يجوز لأمي الاحتفاظ بإرثهم لأوقات الضرورة خوفًا من أن تصاب الأم بمشكلة أخرى ولا يجدون مالًا يدفعونه لها ويمتنع أبناؤها عن مساعدتها والدفع لها فتحبس أمي أموال إخوتها وأخواتها لوقت اللزوم فيما إذا احتاجت أمهم لشيء .
الحمد لله
أولا :
الواجب أن تقسم التركة ويأخذ كل ذي حق حقه ؛ لأن التركة حق للورثة ، فلا يجوز لأحد
أن يحبسها عنهم ، ولا يصح أن يتسلط عليها أحد من الورثة بحجة مساعدة الأم ، ولأن
النزاع حول التركات كثيرا ما يؤدي إلى الخصام والهجر وقطع الرحم وهذا من المحرمات ؛
فعلى المسلم أن يحمي نفسه من أن يكون سببا في قطع ما أمر الله بوصله من الأرحام .
وقد سُئلت اللجنة الدائمة
للبحوث العلمية والإفتاء : إذا هلك امرؤ وله ولد ، وترك مالا ، هل على واحد من أهل
الميت أن يدخر المال إلى حول السنة عن التوزيع ؟
فأجابت : " لا يجوز ادخارها عن التوزيع ، إلا لعذر شرعي " انتهى من " فتاوى اللجنة
الدائمة – المجموعة الأولى " (16/464) .
ثانيا :
عدم نفقة الأبناء على الأم وهي محتاجة للمال ، لا شك أنه من العقوق .
قال الله تعالى :
( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا
فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ،
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء / 23 – 24 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي
رحمه الله :
" ( وَقَضَى رَبُّكَ ) قضاء دينيا ، وأمر أمرا شرعيا ... ( وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا ) أي : أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان ، القولي والفعلي ، لأنهما سبب
وجود العبد ، ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه ، والقرب ، ما يقتضي تأكد الحق
ووجوب البر " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " ( ص/ 530 ) .
ومن الإحسانِ الواجبِ
النفقةُ على الوالدين عند حاجتهما لذلك .
ففي " الموسوعة الفقهية الكويتية " (41/74) :
" اتّفق الفقهاء على وجوب نفقة الأبوين المباشرين على الولد ؛ لقوله تعالى : (
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
) ، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما .
ولقوله تعالى : ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) ، ومن المعروف القيام
بكفايتهما عند الحاجة ... وقد حكى ابن المنذر الإجماع في هذا ، فقال : وأجمعوا على
أنّ نفقة الوالدين اللّذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد " انتهى .
فإذا لم ينفق عليها أولادها وهي فقيرة محتاجة ، فلها أن تأخذ هي من أموالهم ما
تحتاجه من النفقة ولو بغير إذنهم ؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن رجلاً
قال : يا رسول الله ، إنّ لي مالاً وولداً ، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي ، فقال
عليه الصلاة والسلام : ( أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ) رواه ابن ماجة ( 2291 ) ،
وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (3/323) .
قال الخطابي رحمه الله تعالى
:
" وقال له : ( أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ) على معنى أنه إذا احتاج إلى مالك ، أخذ
منك قدر الحاجة كما يأخذ من مال نفسه " انتهى من " معالم السنن " (3/166) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" إذا كان موسرا - الابن - وأبوه محتاجا ، فعليه أن يعطيه تمام كفايته ... ولأبيه
أن يأخذ من ماله ما يحتاجه بغير إذن الابن ؛ وليس للابن منعه " انتهى من " مجموع
الفتاوى " (34/102 ) .
فعلى هذا ، إن لم يكف ما مع الجدة من الأموال لإجراء العملية الجراحية ، فلها أن تأخذ من أموال أولادها ما يكفيها ، وتكون نفقتها واجبة على أولادها بمقدار إرثهم منها ، فيؤخذ من الذكر ضعف ما يؤخذ من الأنثى .
وإن أمكن رفع القضية إلى القضاء الشرعي ، وهو الذي يلزم أولادها بذلك ، فهو أفضل قطعا للنزاع ، فإن لم يمكن لضيق الوقت مثلا ، فلا حرج على والدتك أن تأخذ من أموال إخوانها وأخواتها بمقدار ما تحتاجه الجدة ، على أن يتم رفع الأمر إلى القضاء فيما يتعلق بالإنفاق عليها في المستقبل .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |