عنوان الفتوى : تريد مساعدة صديقتها التي تعاني ضغوطاً شديدة من عائلتها

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أود استشارتكم في أمر صديقة لي ، تخرجت من الجامعة ، وحصلت على الماجستير ، لم تجد وظيفة هذا العام بسبب فساد النظام الإداري الحكومي ، فلا فرصة لها سوى العام القادم مما أحزنها كثيرا ، تقضي وقتها كله في منزلها بمجتمع مفتوح حيث الزوار كثر ، وعليها دوما ارتداء الحجاب الكامل ، وتعتني بأولاد إخوتها الصغار ، وهم جدا مدللون فتعاني كثيرا من أجل الاهتمام بهم ، ولا تجد وقتا لنفسها ، وتشعر بالوحدة وسط عائلتها نظرا لالتزامها الديني على عكس مجتمعها ، إذ تسمع عبارات السخرية منهم أو الانتقاص نظرا لالتزامها ، والدتها تعاملها بشكل قاس للغاية ،وكل أهلها كذلك ، حتى إذا مرضت لا يهتم لأمرها أحد أو يسأل عنها ، بل يكون الرد دوما ستظلي طول عمرك مريضة - إن شاء الله - ما بتشفي . تنهال أمها عليها بالدعوات والغضب إن نسيت ولو أمرا تافها أو صغيرا من واجباتها المنزلية ، لا أصدقاء لها ولا أحد يشعرها بأي اهتمام ، لذلك أجدها دوما في حالة من الحزن والشكوى والبكاء ، أستطيع القول إنها لا تتوقف عن البكاء ، تشعر بالوحدة ، وغير واثقة بنفسها ، كثيرة اللوم والعتاب لنفسها ، أفكارها دوما سلبية، وتتحدث كثيرا عن الموت وأنها مريضة أو ستموت قريبا وما إلى ذلك ، ونظرا لاهتمامي بها فقد تعلقت بي تعلقا مرضيا لدرجة الغيرة والتحكم والكذب ؛ للفت انتباهي واهتمامي حتى قمت بمنعها عن ذلك بلهجة قاسية حتى تكف عن هذه التصرفات الجنونية . سؤالي : بماذا أفسر حالتها هذه ؟ وكيف لي أن أساعدها للتخلص من الحزن والضعف ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق


الحمد لله
أولا :
لقد آلمتنا معاناة هذه الأخت ، نسأل الله أن يفرج كربك وهمك ، ويبدلها فرجا وراحة وسرورا من عنده ، إنه هو البر الرحيم .
والذي نودك أن تجتهدي معها فيه : أن تعلم هي أنه مهما بلغ بها الألم والأذى والمرض ، فهناك من عانى أكثر مما عانت ، وتألم أكثر مما تألمت ، وقاتل ، وقتل ، وأوذي ... لكن : صبر !!
قال الله تعالى : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) آل عمران /146-148 .
وهنا نقول لها :
يا أمة الله ؛ اعلمي أن مخرجك الوحيد هو في اللجوء إلى جناب الله جل جلاله ، فهو سبحانه أرحم من أن يدع عبده ، أو يخيب ظن من رجاه ، بل وعد صاحب الضر والهم أن يكون له ، وأخبر أنه لا أحد يصلح لذلك إلا هو ، جل جلاله : ( أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) النمل /61-63.
أنت في حاجة ـ فعلا ـ إلى أن تقبلي على القرآن طويلا ، وتعيشي معه ، وتتأملي فيه ، وفي قصصه ، وعبره , وآياته .
أنت في حاجة إلى أن تلقي همومك بباب ربك ، وتحسني الظن به ،
أنت في حاجة إلى أن تقومي له ، وأنت هادئة النفس ، صافية القلب والروح ، بعيدا عن المشكلات والتوترات ، فتسللي من بينهم ، وهم نيام جميعا ، كما يتسلل الحبيب إلى حبيبه ، بعيدا عن أعين الرقباء والعذال ، فتسللي إليه ، وسوف تجدينه :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ !! ) متفق عليه ، واللفظ لمسلم .
فهبي إليه ، وألقي حملك عليه ، يا أمة الله .
لكن ابدئي أولا ، وأصلحي ما بينك وبينه .
واعلمي أن إساءة القوم لك ، لا تبيح لك عقوق أبويك ، فجاهدي نفسك ، وإياك إياك أن يظفر بك الشيطان ، فيوقعك في اليأس والقنوط ، ويفتح لك باب الشر والمعاصي .
وأخرجي نفسك من هذه العزلة القاسية ، فحاولي أن تختلطي برفقة صالحة ، في المسجد ، إذا قدرت على ذلك ، أو بزيارتهن لك ، إن كانت حالتك الصحية لا تسمح لك بالخروج ، ونعني بالصحية أن يكون بك مرض أو شيء يعجزك عن المشي والخروج ، وليس مجرد معاناتك وآلامك النفسية .
وإذا أصلحت ما بينك وبين الله ، وأحسنت الظن بربك ، فرجاؤنا في الله عظيم أن يجبر كسرك ، ويشرح صدرك ، ويرزقك من حيث لا تحتسبين ، ولعل الله أن يمن عليك بزوج صالح يخرجك من بيتك ، ومما أنت فيه .
يسر الله لك أمرك ، وفرج كربك ، وأصلح لك شأنك .
وينظر جواب السؤال رقم : (3044) ، ورقم : (132044) .
ثانيا :
وأما عن التعلق المرضي بك ، وما ذكرت من آثاره : فقد أحسنت فيما فعلت معها ، ونبهتيها على هذا الشطط ، والذي ننصحك أن تساعديها في الذهاب إلى طبيب أمراض نفسية ، ثقة ، فنحن نعتقد أن حالتها سوف تحتاج إلى هذا النوع من العلاج .
لكن حتى تتمكن هي من عرض نفسها على الطبيب ، أو تتمكني أنت من إقناعها بذلك ، فهذه بعض نصائح عامة لمن يعاني من هذه الظاهرة :
1) توزيع الحب عملياً وقولياً “ للوالدين ، الإخوة في البيت ، الأقارب، الجيران ، بعض الأصحاب…”
2) السير مع أشخاص جادين في الحياة ، وفيهم صفات البطولة والقوة .
3) الضغط على النفس بترك الجلوس مع الفرد المتعلق به .
4) تعليمه أن كل إنسان ومجموعة يكون فيها الخطأ والصواب .
5) معالجة المشكلة منذ بدايتها سواء لمن رآه عليها ، أو من خلال الشخص المتعلق نفسه .
6) الانشغال بأعمال مفيدة .
7) مصارحة المربي له ، أو مصارحته هو للمربي ، وإحساسه أنه في مشكلة ، كأي إنسان آخر يتعرض لمشكلة.
8) إشباع عاطفته بشكل معتدل من العبارات والرسائل اللطيفة .
9) الدعاء الدائم لله سبحانه وتعالى أن يحميه الله من البلاء ، خاصة في أوقات ومواطن الإجابة .
10) قراءة القرآن بتعمق ، والوصول لحب الله وحده لا شريك له .
11) التحذير من مزالق ومخاطر التعلق بالآخرين ، عن طريق القصص الواقعية .
والله الموفق .