عنوان الفتوى : يسأل : كيف خلق الله الشجر قبل أن يخلق النور ، مع أن الشجر يحتاج إلى النور لنموه ؟
ورد في صحيح مسلم ، الحديث رقم 6707 في الكتاب 39 " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ، فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاثَاءَ ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَاتٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ" . لقد سمعت أحد الملحدين ينتقد هذا الحديث ، ويقول : كيف خلق الله النور يوم الأربعاء وخلق الشجر يوم الثلاثاء ، مع أننا نعلم أن الشجر بحاجة إلى الضياء كي ينمو ، فكيف نرد عليه ؟
الحمد لله
أولا :
روى مسلم ( 2789 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ
الْأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ
يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَبَثَّ فِيهَا
الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ
الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ
سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ) .
وهذا الحديث قد أعله غير واحد من أهل العلم ، وحكموا عليه بعدم صحة نسبته إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبأنه من الإسرائيليات التي أخطأ بعض الرواة وجعلها
حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (119516)
، والسؤال رقم : (145806) .
وإذا لم يثبت أن هذا الحديث قد قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ننشغل بكلام
الملحدين عليه ، لأن الجدال إنما يكون في شيء قد ثبت أنه من الدين ، وهذا الحديث
ليس كذلك .
ثانيا :
على افتراض صحته وثبوته : فخلْق الشجر يوم الاثنين لا ينافي خلق النور يوم الأربعاء
، ومن زعم أنه ينافيه لاحتياج الشجر إلى النور للنمو فقوله غير صحيح ، لما يأتي :
أن هذا خلق الله ، يخلق ما يشاء ، فلا تحكمه قوانين الطبيعة لأنه سبحانه على كل شيء
قدير ، وقد خلق هذا الخلق الهائل من العدم ، وهذا خلاف على خلاف ما يعهده الناس
ويعلمونه .
وهذه القوانين التي تحكم الكون والمخلوقات كلها ، الذي جعلها قوانين ثابتة مطردة هو
الله تعالى ، فإذا أراد أن يفعل شيئا خلاف هذه القوانين فمشيئته تعالى نافذة لا يقف
أمامها شيء ، وقد فعل الله تعالى ذلك ، عملناه وعلمه الناس .
فالإنسان لكي يخلق يحتاج إلى حيوان منوي وبويضة ثم يكون التلقيح والحمل حتى يكون
بشرا سويا .
ولكن ، هذا آدم عليه السلام أبو البشر ، خلقه الله تعالى من طين ، وهذه حواء زوجه
أم البشر خلقها الله تعالى من ضلع آدم ، وهذا المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام
خلقه الله من أم بلا أب .
وهذه نار إبراهيم عليه السلام التي ألقي فيها ، سلبها الله تعالى خاصية الإحراق
وجعلها عليه بردا وسلاما .
كيف وقع كل ذلك على قوانين الطبيعة ؟
وأيضاً :
لا يمكن - عن طريق العلم الحديث أو غيره - إثبات أن أول الخلق كانت تحكمه القوانين
التي يعرفها الناس لأن كل هذه المخلوقات ؛ السموات والأرض والجبال والبحار والبشر
والحيوانات والنباتات ... إلخ ، كل ذلك قد وجد من عدم ، فلم يمر بمراحل خاضعة
لقوانين معينة حتى وجد على هذه الصورة ، وإنما خلقه الله تعالى بقوله : كن ، قال
تعالى : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ) يس/82.
والله أعلم .