عنوان الفتوى : شبهات حول النمص والفرق بينه وبين التشقير
أود أن أسأل عن شبهات حول النمص: فمن الشيوخ من قال: إن المقصود به هو إزالة الحاجب كله، وكانت عادة جاهلية, وأما إزالة الزوائد حوله فجائزة, وهناك حديث للسيدة عائشة تقول فيه لامرأة: "أميطي عنك الأذى" عند ما سألتها المرأة عن حاجبيها, ولم يضعف شيخ يرى حرمة النمص الحديث، بل قال: ربما إنها لم تسمع خبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو قالت هذا قبل أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحرمة ذلك، وتأتيني خواطر بأن هذا قد يكون صحيحًا؛ لأن العلة من التحريم - كما ذكرتم - هو تغيير الخلقة, فكيف يحكم بجواز التشقير وهو يعطي نفس نتيجة إزالة الزوائد بالخيط أليس هذا تغييرًا؟ وسمعت في معهد العلوم الشرعية أن النمص معناه: إزالة شعر الوجه، ولكنهم يرون جواز إزالته من منطقة الشارب واللحية للمرأة, فما العلة؟ أليس هذا شعر وجه, وهذا شعر وجه أيضًا؟ فلو قلنا: إن الشارب شكله قبيح ومنفر، فالزوائد في الحاجب كذلك أيضًا, ولو قلنا: إن في ترك الشارب تشبهًا بالرجال؛ فالزوائد أيضًا تشبه شكل الرجال؛ لذا أشعر أحيانًا أن إزالة الزوائد قد تكون جائزة، وأن النمص إنما قصد به إزالة الحاجبين بالكلية أو ترقيقهما؛ لأن في هذا تغييرًا حقيقيًا، أما إزالة الزوائد فهي كإزالة الشارب واللحية لأنها منفرة شكلًا؛ ولحديث السيدة عائشة أيضًا, وإلا فإن إزالة الشارب واللحية سيعد من تغيير الشكل أيضًا, فهل هذا الاجتهاد صحيح أو يقارب الصواب أو ما رأيكم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
الواجب على العبد التسليم لحكم الله، سواء أستوعب عقلُه العلة أم لم يستوعبها، ولا مانع من السؤال عنها.
ويمكنك مراجعة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 125039 ، 134126 ، 185363 ، 503 ، 15540 ، 2220 ففيها الجواب المفصل عما سألت عنه.
فأما ما نقل عن عائشة فقد روى عبد الرزاق عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ امْرَأَةِ ابْنِ أَبِي الصَّقْرِ، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ؟ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ فِي وَجْهِي شَعَرَاتٌ أَفَأَنْتِفُهُنَّ أَتَزَيَّنُ بِذَلِكَ لِزَوْجِي؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمِيطِي عَنْكِ الْأَذَى، وَتَصَنَّعِي لِزَوْجِكِ كَمَا تَصَنَّعِينَ لِلزِّيَارَةِ، وَإِذَا أَمَرَكِ فَلْتُطِيعِيهِ، وَإِذَا أَقْسَمَ عَلَيْكِ فَأَبِرِّيهِ، وَلَا تَأْذَنِي فِي بَيْتِهِ لِمَنْ يَكْرَهُ.
وقال ابن حجر: وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَكَانَتْ شَابَّةً يُعْجِبُهَا الْجَمَالَ، فَقَالَتِ: الْمَرْأَةُ تَحُفُّ جَبِينَهَا لِزَوْجِهَا؟ فَقَالَتْ: أَمِيطِي عَنْكِ الْأَذَى مَا اسْتَطَعْتِ.
وكما هو واضح أن كلا الأثرين ليسا في أخذ شعر الحاجب، وإنما هو شعر الوجه، وهو جائز عند الجمهور.
وأما التشقير: فجائز لفوات العلة؛ إذ ليس هو تغييرًا لخلق الله، وإنما يحرم إذا كان تدليسًا على الخاطب.
وأما إزالة شعر اللحية، والشارب فهو جائز؛ لأن هذا ليس من الخلقة المعتادة في النساء، فهو كإصلاح عضو خُلِق على غير السلامة.
وأما الزوائد فلا يلزم شبهها بشعر الرجال، بل من النساء من تكون كذلك.
وأما إذا طال شعر الحاجب فخرج عن الحد الطبيعي، فكان زائدًا زيادة مؤذية أو مشينة للخلقة، بحيث تصل إلى حد التشويه فيجوز الأخذ حتى يكون مثل الحاجب المعتاد.
قال ابن حجر: وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَالَ بعض الْحَنَابِلَة ... وَيَجُوزُ الْحَفُّ، وَالتَّحْمِيرُ، وَالنَّقْشُ، وَالتَّطْرِيفُ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ, وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَكَانَتْ شَابَّةً يُعْجِبُهَا الْجَمَالَ، فَقَالَتِ: الْمَرْأَةُ تَحُفُّ جَبِينَهَا لِزَوْجِهَا؟ فَقَالَتْ: أَمِيطِي عَنْكِ الْأَذَى مَا اسْتَطَعْتِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَجُوزُ التَّزَيُّنُ بِمَا ذُكِرَ إِلَّا الْحَفَ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النِّمَاصِ.
والله أعلم.