عنوان الفتوى : حكم الخروج على الحاكم
ما رأيكم في حديث: وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع؟ وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع التابعين على طاعة السلطان المسلم مهما بلغ من ظلم الرعية وأخذ أموالهم، فهل هذا صحيح؟ وهل يتضمن قوله صلى الله عليه وسلم: إلا أن تروا كفرا بواحا: هتك الأعراض وقتل الناس بشكل جماعي أيضا؟ أم هناك قول آخر من السلف يقضي بجواز محاسبة ولي الأمر وخلعه؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا تأويل حديث: وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ـ وبيان ما فيه من مقال في سنده، فراجع الفتوى رقم: 195253.
وأما مسألة الخروج بالسيف على الحاكم المسلم الظالم، أو الفاسق، الذي لا يصل فسقه للكفر البواح، فقد اختلف فيها سلف هذه الأمة وخيارها، ثم آل الأمر، أو كاد إلى اتفاق كلمة أكثر الأئمة المتبوعين والعلماء المعروفين على القول بترك القتال وعدم الخروج، حتى لقد حكى الإجماع على ذلك بعض أهل العلم كالنووي في شرحه لصحيح مسلم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: كان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث، ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة، للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين. اهـ.
وقال في مجموع الفتاوى: مذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على الملوك البغاة والصبر على ظلمهم إلى أن يستريح بر، أو يستراح من فاجر. اهـ.
وقد بحث هذه المسألة تفصيلا الدكتور عبد الله الدميجي في رسالته العلمية: الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة ـ فقال: ذهب غالب أهل السنة والجماعة إلى أنه لا يجوز الخروج على أئمة الظلم والجور بالسيف ما لم يصل بهم ظلمهم وجورهم إلى الكفر البواح، أو ترك الصلاة والدعوة إليها، أو قيادة الأمة بغير كتاب الله تعالى، كما نصت عليها الأحاديث السابقة في أسباب العزل، وهذا المذهب منسوب إلى الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ وهم: سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأبو بكرة ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ وهو: مذهب الحسن البصري والمشهور عن الإمام أحمد بن حنبل وعامة أهل الحديث... هذا، وقد ادعى الإجماع على ذلك بعض العلماء كالنووي في شرحه لصحيح مسلم، وكابن مجاهد البصري الطائي فيما حكاه عنه ابن حزم، ولكن دعوى الإجماع فيها نظر، لأن هناك من أهل السنة من خالف في ذلك. اهـ.
ثم ذكر أدلة كل قول وبحث المسألة، ثم قال: مما سبق يتضح لنا قوة أدلة أصحاب المذهب الأول، وأنها صريحة في المسألة، وإن كان في أدلة أصحاب المذهب الثاني ما لم يرد عليه اعتراض، وهو قوي الدلالة في بابه لذلك فيمكننا الجمع بين الأدلة السالمة من الاعتراض عند الطرفين، وهو الذي يترجح عندنا، ونستنتجه من هذا الفصل، وذلك كالتالي:
1ـ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب باليد وباللسان وبالقلب بشرط: القدوة والاستطاعة، وأنه: لا يجوز إنكار المنكر بمنكر أكبر منه.
2ـ وجوب إقامة الحج والجهاد والجمعة والعيدين مع الأئمة وإن كانوا فسقة، لأنه حق لله، لا يمنعه جور جائر، ولا عدل عادل.
3ـ تحريم الخروج على الإمام العادل سواء كان الخارج عادلاً أم جائرًا، وإن ذلك مما نهى عنه الإسلام أشد النهي وأمر بطاعتهم، ومن خرج عليهم فهو باغ، وعليه تحمل الأحاديث المطلقة في السمع والطاعة.
4ـ أما الإمام المقصر وهو الذي يصدر منه مخالفات عملية، أو تساهل في الالتزام بأحكام الشرع، فهذا تجب طاعته ونصحه وعليه تحمل أحاديث: فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة ـ وما في معناها، وأن الخروج عليه حرام، وإذا كان باجتهاد فهو خطأ.
5ـ أما الفاسق والظالم والمبتدع: وهو المرتكب للمحظورات والكبائر دون ترك الصلاة لا سيما ظلم الحقوق أو دعوة إلى بدعة فهذا يطاع في طاعة الله ويعصى مع الإنكار عليه في المعصية، ويجوز عزله إن أمكن بإحدى الطرق السلمية السابقة ـ عدا السيف ـ بشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة أكبر، فإن لم يكن ذلك وجب المبالغة في الإنكار عليه والتحذير من ظلمه وبدعته حتى لو أدى الأمر إلى الاعتزال عن العمل معه والتعرض لأذاه بشرط ألا يكون سبب ذلك حقًا شخصيًا وعلى هذا تحمل أحاديث: من جاهدهم بنفسه فهو مؤمن ـ وحديث: من دخل عليهم وأعانهم على ظلمهم ـ وما في معناها مع حديث: فاصبر وإن جلد ظهرك وأخذ مالك ـ وعلى هذا تحمل أيضًا أقوال الأئمة الأربعة ونحوهم وأفعالهم، وما أصابهم بسبب ذلك من محن.
6ـ الحاكم الكافر والمرتد، وفي حكمه تارك الصلاة ونحوه، فهؤلاء يجب الخروج عليهم ولو بالسيف إذا كان غالب الظن القدرة عليهم، عملاً بالأحاديث: لا، إلا أن تروا كفرًا بواحًا ـ ولا ما أقاموا فيكم الصلاة ـ وما قادوكم بكتاب الله ـ ونحوها مع الآيات والأحاديث الآمرة بمجاهدة الكفار والمنافقين، لتكون كلمة الله هي العليا، أما إذا لم يكن هناك قدرة على الخروج عليه فعلى الأمة أن تسعى لإعداد القدرة والتخلص من شره... اهـ.
ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع للأهمية على الفتوى رقم: 194295.
والله أعلم.