عنوان الفتوى : حكم تكرار بعض الآيات أو السور بعدد محدد في الرقية
هل طريقة ابن جبرين للعلاج من العين والحسد والسحر صحيحة؟ يقول ابن جبرين - رحمه الله -: من كان به عين ولم يعرف من الذي أصابه بالعين, ولم يستطع أن يأخذ من أثره؛ ومن كان به حسد ولم يذهب عنه؛ ومن كان به سحر ولم يفك سحره, فعليه أن يأخذ إناء فيه ماء يقرأ هو بنفسه: الفاتحة سبع مرات, وآية الكرسي سبع مرات, وأول خمس آيات من سورة البقرة سبع مرات, وسورة الكافرون سبع مرات, والإخلاص سبع مرات, والفلق سبع مرات, والناس سبع مرات, فيشرب منه, ويغسل به جسده حتى ينتهي ماؤه, ولا يبقى منه شيء, يفعل ذلك في الصباح, وفي الظهر أيضًا, يحضر ماء ويقرأ فيه سبع مرات, فيشرب, ويغتسل, ويفعل ذلك أيضًا في المغرب, يحضر إناء يقرأ فيه فيشرب, ويغتسل ثلاث مرات في اليوم, لمدة ثلاثة أيام متوالية, علمًا بأن كل مرة يحضر ماء جديدًا يقرأ فيه من جديد, يشرب منه, ويغتسل, يفعل ذلك باليقين أن الشافي هو الله, فمن كان به عين خرجت من جسده, ومن كان به حسد ذهب حسده, ومن كان به سحر فك سحره, أيًّا كان هذا السحر, وفي أي مكان كان, ولا أعرف هل هي طريقة ابن جبرين - رحمه الله - أم لا, وأنا أخاف أن تكون بدعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لم نر ما يثبت نسبة هذه الرقية للشيخ ابن جبرين, ويمكنك التأكد من الأمر عن طريق موقعه, أو بعض طلابه.
وأما ما ذكر في هذه الرقية من الآيات القرآنية: فتشرع الرقية به, ولا يعتبر بدعة, فقد جاء في صحيح ابن حبان عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها, فقال: عالجيها بكتاب الله. صححه الألباني, وقال الشيخ حافظ الحكمي في سلم الوصول في بيان ما تشرع الرقية به وما تمنع:
ثم الرقى من حمة أو عين * فإن تكن من خالص الوحيين
فذاك من هدي النبي وشرعته * وذلك لا اختلاف في سنيته.
وقد نص أهل العلم على مشروعية القراءة في الماء, والشرب من ذلك الماء, والاغتسال به, قال ابن مفلح: وقال صالح بن الإمام أحمد: ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحًا فيه ماء، فيقرأ عليه، ويقول لي: اشرب منه، واغسل وجهك ويديك, ونقل عبد الله أنه رأى أباه - يعني أحمد بن حنبل - يعوذ في الماء، ويقرأ عليه ويشربه، ويصب على نفسه منه. اهـ
وقد قدمنا مشروعية الرقية بالقرآن في الفتوى رقم: 170155
وأما تكرار السور سبعًا, وإعادة الرقية ثلاث مرات في اليوم, فإنه لا نعلم في السنة ما يثبته, ولكن أمور الرقى يباح ما جرب نفعه منها إن لم يكن فيه شرك, فقد روى مسلم من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية, فقلنا: يا رسول الله, كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.
قال الشيخ عبد الرحمن السحيم في فتوى له على موقع المشكاة: سئلت هذا السؤال: هناك من يقول: إذا قرأت آخر عشر آيات من سورة الكهف تعينك على الاستيقاظ لصلاة الفجر هل يجوز فعل هذا؟ وهل له أصل؟
الجواب: يتسمح العلماء في هذا الباب، ويثبتون ما ثبت بالتجربة, وقد نقل الإمام القرطبي عن يحيى بن أبي كثير قوله: بلغني أن من قرأ سورة يس ليلًا لم يزل في فرح حتى يصبح, ومن قرأها حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي, قال: وقد حدثني من جربها، ذكره الثعلبي وابن عطية, قال ابن عطية: ويصدق ذلك التجربة . اهـ .
ومثله ما يكون في الرقى، فإذا جربت آيات في الرقية ونفعت فإنه لا مانع من الرقية بها، بل وتعليمها للناس, فيرى بعض العلماء أن ما ثبت بالتجربة في الرقية ونحوها أنه لا بأس به, ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: نزلنا منزلًا فأتتنا امرأة فقالت: إن سيد الحي سليم لدغ, فهل فيكم من راق؟ فقام معها رجل منا - ما كنا نظنه يحسن رقية - فرقاه بفاتحة الكتاب فبرأ، فأعطوه غنمًا وسقونا لبنًا، فقلنا: أكنت تحسن رقية؟ فقال: ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب, قال: فقلت: لا تحركوها حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: ما كان يدريه أنها رقية؟ أقسموا واضربوا لي بسهم معكم.
قال ابن حجر بعد ذكر بعض روايات الحديث: وهو ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقي بالفاتحة، ولهذا قال له أصحابه لما رجع: ما كنت تحسن رقية. اهـ .
وبناء عليه, فلو جرب الراقي حصول النفع بالتكرار بعدد معين فلا حرج في ذلك, ما لم يعتقد كونه سنة ثابتة لا يجوز الزيد ولا النقصان فيها.
والله أعلم.