عنوان الفتوى : الغيرة المحمودة والغيرة المذمومة
عندي - يا فضيلة الشيخ - مشكلة في الثقة بالله في أمر الزواج، والأمر يحزنني كثيرًا, فأنا شاب لم أتزوج بعد، لكن عندي غيرة شديدة، فلو نظر أحدهم إلى محارمي يفور الدم في عروقي، وأنا أغض طرفي - والحمد لله - عن النساء, وفي العام الماضي سافرت أنا ووالدتي للعمرة, وعاهدت الله أن أزيد من غض بصري؛ حتى لا يلتفت أحد إلى والدتي، ومع أني غضضت بصري كان الكثير من الرجال ينظر لوالدتي فغضبت غضبًا شديدًا، وحدثتني نفسي أن الله خذلني - والعياذ بالله - واستغفرت بعدها, وتبت إلى الله، لكني الآن أخاف أن أتزوج وأصاب في عرضي، ولن يمكنني حتى الخروج من البيت وأنا مرتاح، وأخاف أن أغضب الله فيعاقبني بأن يرسل عليّ من يمسني في عرضي، ولا زلت أذكر تلك العمرة ولم أنسها, وأحب أن أذكر لفضيلتكم أني في غير ذلك الأمر – كالصحة, والمال, وغير ذلك - لا أجد مشكلة، فمثلًا تعرضت لثلاث حوادث سير مميتة، وتحطمت سيارتي، وفشلت في عامين من دراستي, وغير ذلك، لكني لم أتسخط قط، بل حتى في حادث السير الأخير خرجت من سيارتي حامدًا لله، بل خرجت من البيت بنية أني في يد الله, و ما أتى به الله فمرحبًا به – وبفضل الله – لا زلت على ذلك الحال, ولا يهمني ما يحصل لي, فأنا راض به قبل أن يحصل, وأسأل الله أن يثبتني, إلا أني في موضوع الزوجة لا أتمالك نفسي, ويغيب عقلي, فأخاف كثيرًا ولا أدري ما العمل, فأرجو من فضيلتكم النصيحة - جزاكم الله كل خير -.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغيرة على المحارم أمر محمود, وهي من خصال المؤمنين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه. متفق عليه. إلا أن الغيرة إذا زادت عن حدها, وكانت في غير ريبة, فإنها تكون مذمومة، فعن جابر بن عتيك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: من الغيرة ما يحب الله, ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة. أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان. وانظر مزيد بيان في الفتاوى: 71340 75940 17659.
واعلم أن الغيرة الزائدة عن الحد، والمفضية إلى الشك في المحارم, وترك الزواج ,هي داء عضال، فعليك أن تعالج نفسك منه، وذلك بالإعراض عن وساوس الغيرة، والاستعاذة بالله منها، واللجوء إلى الله سبحانه أن يصرف عن قلبك هذه العلة.
وعليك أن تجاهد نفسك في إحسان الظن بالله سبحانه والثقة به، فهو أهل الفضل والإحسان، وهو القائل سبحانه - كما في الحديث القدسي -: أنا عند ظن عبدي بي. متفق عليه. وقال ابن القيم: ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة، وتضرع إليه وسأله، واستعان به وتوكل عليه أنه يخيبه ولا يعطيه ما سأله، فقد ظن به ظن السوء، وظن به خلاف ما هو أهله. اهـ. وراجع للفائدة الفتوى: 96876.
والله أعلم.