عنوان الفتوى : بيان فطرة الناس على الدين الحق وأسباب الانحرف عنه
رجل ملحد أصله بوذي من آسيا، عمره تقريبا 28 سنة، نحسبه طيبا وقد ساعد أخا مسلما في الدراسة، وهذا الرجل الملحد يقول إنه ترك العمل في البنك لما رأى من ضرر وخداع الربا، وحاول المسلم أن يرغبه في الإسلام وكلمه عن الإعجاز العلمي بكلام سطحي، ودائما يعتذر بسسب ضيق الوقت، وقال إن صديقا له أسلم ثم صار من الرافضة وأعطاه مقالا عن القرآن ولعله شوش عليه، ودائما يبتسم مع المسلم ويسلم عليه ويتمازحان، وأعطاه المسلم مقالات عن إعجاب غير المسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم والإسلام والقرآن، فاعترف أن هذا الكلام فيه حق، لكنه لم يقنعه تماما، ولما سمع تلاوة آية من العفاسي قال هذا القارئ متصل بشيء ما يجعل قراءته مؤثرة، فكيف يقنع بأنه لا غنى عن الدين؟ وهل الفطرة هي التي جعلت فينا أخلاقا؟ وهل يمكن أن يكون الرجل خيرا وهو ملحد؟ وكيف يجعله يكف عن اعتذاره بضيق الوقت؟ فهو طيب ويحزن المسلم ألا يدخل في الإسلام، وكيف نرغبه في الإسلام؟ أصحابه العرب غير ملتزمين ومعه رافضي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله وجزى صديقك خيرا على دعوة هذا الملحد لدين الإسلام، ولكن التصدي لهذا الأمر ينبغي أن يكون من المؤهلين الذين يؤمن أن تنطلي عليهم شبهات أهل الضلال والإلحاد، وبإمكان صديقك ترغيبه في الإسلام فيحدثه عن آيات الله الكونية المرئية وعن مظاهر إنعامه على عباده، وعن المعجزات النبوية الثابتة، وعن عظمة القرآن وما تضمنه من الحقائق العلمية التي اكتشفت مؤخرا، وهناك مراجع تعينك في هذا الأمر، ومنها:
ـ قصة الإيمان، لنديم الجسر.
ـ الإيمان والحياة، ليوسف القرضاوي.
ـ العقيدة في الله، لعمر الأشقر.
ـ العلم يدعو إلى الإيمان، لوحيد الدين خان.
ـ مؤلفات الشيخ عبد المجيد الزنداني، ومن أهمها الإيمان والتوحيد.
ـ مؤلفات الدكتور زغلول النجار.
وللفائدة انظر الفتاوى التالية أرقامها: 20984، 53965 ، 22055، 31281، 12986.
وأما الفطرة السليمة: فهي داعية للتمسك بالأخلاق الفاضلة، وهي داعية كذلك للاقتناع بالإسلام، قال الله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{الروم:30}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة... متفق عليه.
فالله تعالى فطر خلقه على توحيده وعبوديته، فجاءتهم الشياطين الإنسية والجنية فاجتالتهم عن دينهم فاستجابوا لهم وامتنعوا عن طاعة الرسل واتباعهم، وأبوا إلا أن يشركوا بالله، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى {الأعراف:172}.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن اللّه ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ {الروم:30} وفي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي اللّه عنه ـ قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ـ وفي رواية: على هذه الملة ـ وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم.... اهـ.
وقال الفيروز آبادي: كلّ مولود يولدَ على الفِطْرة ـ أَي على الجبلَّة القابلة لدين الحقِّ. اهـ.
وقال المناوي في التعاريف: الفطرة الجبلة المتهيئة لقبول الدين، كذا عبر ابن الكمال، وقال الراغب: هي ما ركب الله في الإنسان من قوته على معرفة الإيمان، وقال الشريف: الخلقة التي جبل عليها الإنسان. اهـ.
وقال أبو حامد عز الدين في نهج البلاغة: الفطرة: الحالة التي يفطر الله عليها الإنسان، أي يخلقه عليها خاليا من الآراء والديانات والعقائد والأهوية، وهي ما يقتضيه محض العقل، وإنما يختار الإنسان بسوء نظره ما يفضي به إلى الشقوة. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: ومثل الفطرة مع الحق مثل ضوء العين مع الشمس، وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس، والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس، وكذلك أيضاً كل ذي حس سليم يحب الحلو إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مراً، ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالعقل، فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاَ، ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق الذي هو الإسلام بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلماً، وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع.. هي فطرة الله التي فطر الناس عليها. انتهى.
وأما عن جعله يكف عن اعتذاره بضيق الوقت: فإنه يكون بإقناعه بأهمية الإسلام، فإذا علم أهميته فسيعطي من وقته ما يجعله يبحث عن الحق.
وأما عن حزن صديقك: فهو مؤشر خير وفيه ـ إن شاء الله ـ شبه بحال الرسل الذين كانوا يخافون على أقوامهم من العذاب؛ كما قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {الأعراف:59}.
و قال الله تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ {هود:84}.
قال الله تعالى: وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {الأحقاف:21}.
والله أعلم.