عنوان الفتوى : المحجة البيضاء منار الحيارى
مشكلتي التي تؤرقني كثيرا هي التالية.. تركت الإسلام نتيجة لقراءة كتب كثيرة تشكك في معتقداته وتشريعاتهولكنني لم أجد السلام النفسي فبحكم تربيتي الإسلامية لم أستطع التلاؤم مع خياري الفكري كتارك للإسلام.. الآن تراودني بقوة فكرة العودة إلى الإسلام ولكنني لا أزعم بأنني مقتنع عقليا به كدين موحى به, فقط أرغب في العودة إليه لأنه دين آبائي وأجدادي وسائر أفراد عائلتي وأبناء وطني.. أريد العودة إليه لأستريح وأنسجم مع عواطفي ومحيطي العائلي والاجتماعي ولكن هل يتقبل الله مني عودة على هذا الأساس؟ أرجو منكم إغاثتي برد عاجل؟ وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنك لم تجد السلام في نفسك بعد تركك للإسلام لا بسبب تربيتك الإسلامية، ولكن بسبب نداء الفطرة التي خالفتها، فالإسلام هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، قال صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. رواه البخاري ومسلم.
وكونك غير مقتنع عقلياً بالإسلام أنه دين موحى به، فذلك بسبب كونك لم تطلع على عقائده وتشريعاته، وإلا فإنها متوافقة مع العقل والفطرة واحتياجات الجسد والروح والعاطفة.
ولذلك ننصحك بمطالعة خصائص الشريعة الإسلامية من خلال الكتب الآتية:
1- خصائص الشريعة الإسلامية للدكتور عمر الأشقر.
2- خصائص التصور الإسلامي لسيد قطب.
3- أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان.
هذا.. وإن إثبات أن دين الإسلام موحى به من الله فرع عن إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فنننصحك بقراءة دلائل نبوته من البشارات به، والمعجزات التي جرت على يديه، والسلوك النوعي له، وسلوكه الشخصي، وطريقة تربيته لصحابته، وطالع في ذلك كتاب: الرسل والرسالات للدكتور عمر الأشقر.
وقد ظهرت على يد نبينا عليه الصلاة والسلام معجزات كثيرة اهتمت بها بعض الكتب مثل: دلائل النبوة للبيهقي، ومن ذلك: انشقاق القمر، نبع الماء من بين أصابعه، تكليم الجمادات كتسبيح الحصى، وحنين الجذع، تكثير الطعام القليل حتى يكفي الفئام من الناس.
وأعظم معجزاته هي معجزة القرآن الكريم، فقد أعيا أساطين البلاغة إلى اليوم أن يأتوا ولو بسورة مثله: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء:82}، ومظاهر إعجازه متنوعة، ومن ذلك الإخبار عن الأمور المستقبلية ووقوعها كما أخبر القرآن مثل: انتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم منهم خلال بضع سنين، ومن ذلك أيضاً: الإعجاز العلمي، وهناك هيئات علمية متخصصة في تجلية هذا الجانب، ونحيلك على كتابات الدكتور زغلول النجار -حفظه الله- وكتابات الشيخ عبد المجيد الزنداني، فإن فيها توضيحاً لهذا الجانب.
كذلك ننصحك بقراءة كتاب في سيرة نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام، مثل كتاب: الرحيق المختوم للمباركفوري، فإن النظر في حال النبي صلى الله عليه وسلم وكونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب ومع ذلك يأتي بأخبار علمية لم يعرفها العالم إلا في منتصف القرن العشرين!! فمن الذي علم محمداً صلى الله عليه وسلم هذه الحقائق العظيمة؟! إنه الله الذي يعلم ما كان وما سيكون، وصدق الله وهو القائل: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {فصلت:53}، ومن جهة أخرى، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمور ستقع، وبالفعل وقعت كما أخبر بها، ومن ذلك إخباره بفتح القسطنطينية، وغير ذلك مما وقع كما أخبر.
ثم إن هرقل ملك الروم شهد شهادة عقلية بقوله لما أخبره أبو سفيان بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يكذب، فقال هرقل: وما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله.
كما أن قراءتك لسيرته صلى الله عليه وسلم ونظرك في مغازيه وتأييد الله له ونصره على أعدائه من أكبر الأدلة على أن محمداً نبي الله حقاً، وأن الإسلام شريعة موحى بها من عنده، فإن الله ما كان ينصر ويعز ويظهر دين من يفتري عليه!! وكذلك ننصحك بقراءة الكتب والمقالات التي يذكر مؤلفوها سبب إسلامهم، ومن ذلك كتاب: لماذا أسلم هؤلاء؟ فهؤلاء العلماء والأدباء والمفكرون لم يدخلوا الإسلام إلا عن اقتناع عقلي ملأ أفئدتهم.
فادخل الإسلام، وأسأل الله الهداية بصدق، فهي قضية مصير!! واقرأ كتاب الله كثيراً وتدبر معانيه، فستجد ضالتك المنشودة وطلبتك المفقودة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57}.
واعلم أن الله لا يقبل منك إلا اليقين التام والرضا الكامل عن الإسلام، فالإسلام ليس دين تقليد واتباع بالطاعة العمياء كما في النصرانية أو غيرها، فلا بد من الاقتناع التام، ولهذا تجد القرآن الكريم ينعى على الكفار المقلدين لآبائهم: بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ {الزخرف:22}، ولهذا قال بعض أهل العلم: لا يصح إيمان المقلد.
واعلم أن باب التوبة مفتوح، ولا يرد عن بابه أحداً، ويفرح بتوبة عباده، قال صلى الله عليه وسلم: لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة. رواه البخاري، وانظر الفتاوى: 17160، 17343، 31416.
هذا، وننصحك أن تنتهي عن القراءة من الكتب التي تثير الشبهات وتورث الشكوك وتضييع اليقين، وإن من ابتغى الهدى من غير كتاب الله أضله الله، وانظر الفتويين: 14742، 38299.
والله أعلم.