عنوان الفتوى : حديث متداول في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة .
هل هذا الحديث ضعيف أم موضوع ؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين مرة بعد صلاة العصر يوم الجمعة قبل أن يقوم من مكانه غُفرت له ذنوب ثمانين عاماً ، وكتبت له عبادة ثمانين سنة " ؟ وما الحكم في بعض المؤسسات التي طبعت ووزعت الملايين من هذا الحديث ؟ ومن هو عبد الله بن النعمان المحدث ، لأنه صنف هذا الحديث على أنه حسن ؟ فأرجو منكم تفصيل القول في هذا الحديث .
الحمد لله
تقدم في جواب السؤال رقم : (202162)
تخريج هذا الحديث ، وبيان شدة ضعفه ووهائه ، وقال الحافظ في " لسان الميزان "
(2/178) : " حديث منكر " ، وقال علماء اللجنة الدائمة :
" هذا الحديث لا أصل له ، فلا يجوز العمل به ، والصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم مستحبة دائما ، وتتأكد في يوم الجمعة من غير تخصيص بساعة معينة منه " انتهى من
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24/ 162) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ليس بصحيح " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (6/ 2) بترقيم الشاملة .
فقد تتابعت عبارات العلماء على الحكم على هذا الحديث بالوهاء ، والضعف الشديد ،
فمنهم من قال موضوع ، ومنهم من قال لا أصل له ، ومنهم من قال منكر . وهو حري بذلك
كله ، فهو حديث باطل لا يجوز التعويل عليه ، ولا روايته إلا مع بيان حاله .
أما قول الحافظ العراقي في "
تخريج أحاديث الإحياء " (ص 220) :
" أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة ابْن الْمسيب قَالَ أَظُنهُ عَن أبي
هُرَيْرَة وَقَالَ حَدِيث غَرِيب ، وَقَالَ ابْن النُّعْمَان : حَدِيث حسن " انتهى
.
وأما ابن النعمان ، هذا الذي نقل عنه العراقي تحسين الحديث : فلا نعرفه ، ولم يذكره
العراقي في كتابه هذا إلا في هذا الموضع ، ومن الواضح أن يكون أحد المشتغلين
بالحديث من أهل العلم ، وعلى أية حال : فقوله " حديث حسن " ، لا يوافق عليه ؛ بل هو
مردود بكلام العلماء الذين حكموا عليه بالضعف والنكارة ، وبما ظهر من تخريجه
بطريقيه من وهائه وشدة ضعفه .
وربما قصد ابن النعمان هذا
بتحسينه أنه حسن المعنى ، وهذا يقع أحيانا في كلام بعض أهل العلم ، وهو يشير بذلك
إلى أن الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة من السنة ،
وهذا حق .
راجع جواب السؤال رقم : (13815) .
ولكن ما ذكر في الحديث من تخصيص الوقت بعد العصر بذلك ، وأن يكون العدد ثمانين مرة
، وأن يكون ذلك قبل أن يقوم من مقامه ، والجزاء المترتب على ذلك ، كل ذلك لا دليل
عليه إلا هذا الحديث الباطل ، فلا يعتد به ، وإنما جاءت السنة بمطلق الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في أي ساعة منه ، كما جاءت بالحث على ذلك أيضا
ليلة الجمعة ، كما روى البيهقي في " سننه " (5994) عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ؛ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى
الله عَلَيْهِ عَشْرًا ) .
وحسنه الألباني في " الصحيحة " (1407) .
فالمشروع : إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها ، دون
تحديد لوقت معين أو عدد معين .
أما قيام بعض المؤسسات بطبع هذا الحديث وتوزيعه ونشره في الناس : فعمل منكر لا يجوز
، والواجب نهيهم عن ذلك وتحذيرهم من عاقبته ؛ فإن الحديث باطل بشهادة أهل الاختصاص
، وقد روى مسلم في مقدمة الصحيح (1/7) عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ
) .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّض لَهُ ، وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى
ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا , وَكَيْف لَا يَكُون
كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ ؟ " انتهى .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : ( َمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ
مِنْ النَّارِ ) رواه البخاري (110) ، ومسلم (3) .
قال النووي رحمه الله :
" يَحْرُم رِوَايَة الْحَدِيث الْمَوْضُوع عَلَى مَنْ عَرَفَ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا
أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَضْعُهُ ، فَمَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ
وَضْعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ رِوَايَتِهِ وَضْعَهُ فَهُوَ دَاخِل فِي هَذَا
الْوَعِيد , مُنْدَرِج فِي جُمْلَة الْكَاذِبِينَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا الْحَدِيث السَّابِق " مَنْ
حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ "
انتهى .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن بعض تلك الأحاديث الموضوعة التي ينشرها بعض من
لا علم له ، فقال بعد بيان وضعه وبطلانه :
" أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بهذا الحديث وأمثاله من الأخبار الموضوعة أو
العمل على طبعها أو نشرها بين المسلمين ؛ لما في ذلك من تضليل العامة والتلبيس
عليهم والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وعد المتعمد له بالوعيد العظيم
" انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (26/ 330) .
راجع جواب السؤال : (13815) لتتعرف على
موقف المسلم من الأحاديث الضعيفة والمكذوبة .
وراجع جواب السؤال : (88102) لمعرفة أن
تحديد عدد معين للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة .
وراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (98780)
، ورقم : (130210)
.
والله تعالى أعلم ..