عنوان الفتوى : حديث باطل في ذم معاوية رضي الله عنه !!
" هل إسناد هذا الحديث في رواية البلاذري عن معاوية صحيح ؟ عن بكر بن الهيثم وإسحق بن أبى إسرائيل عن عبد الرزاق الصنعانى عن معمر بن راشد , عن عبد الله بن طاووس , عن طاووس بن كيسان عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال : ( يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتى ) ، قال: وكنت تركت أبي قد وضع له وضوء , فكنت كحابس البول مخافة أن يجىء ، قال : فطلع معاوية ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( هذا هو ) .
الحمد لله
هذا الحديث ذكره البلاذري في كتابه " جمل من أنساب الأشراف " ( 5 / 1978 ) قال :
" وحدثني إسحاق وبكر بن الهيثم قالا حدثنا عبد الرزاق بن همام أنبأنا معمر عن ابن
طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : " كنت عند النبي صلى الله عليه
وسلم فقال : ( يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتي ) ، قال : وكنت تركت
أبى قد وضع له وَضُوء , فكنت كحابس البول مخافة أن يجيء قال : فطلع معاوية فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا هو ) " .
نعم ، هكذا روى البلاذري هذا الحديث في كتابه السابق ؛ لكن ليس كل حديث يروى
يكون صحيحا ، فإذا نظرنا في كتاب البلاذري هذا ، فسوف نرى قبل هذا الحديث وبعده عدة
أحاديث تصرّح أن معاوية رضي الله عنه من أهل الجنة !!
قال ابن الجوزي في كتابه " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " ( 1/ 280 ) بعد
أن ذكر عدة أحاديث تنص أن معاوية من أهل الجنة وضعّفها : " وقد روي عنه وأنه من أهل
النار ، وذلك محال أيضا " انتهى .
فالعبرة إذا بصحة الإسناد .
وهذا الحديث في سنده عبد الرزاق الصنعاني ، وإن كان إماما من الأئمة ، إلا أن
العلماء لم يوثقوه في كل ما حدث به ؛ بل استثنوا ماحدث به من حفظه وليس من كتابه ،
وكذا ما حدث به بعد أن عمي ، وبعض ما حدث به في المناقب والمثالب ، كهذا الحديث ،
فقد كان فيه تشيع .
قال ابن عدي في كتابه " الكامل " ( 6/ 545 ) :
" ولعبد الرزاق بن همام أصناف وحديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم ،
وكتبوا عنه ولم يروا بحديثه بأسا ، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع ، وقد روى أحاديث في
الفضائل مما لا يوافقه عليها أحد من الثقات ، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه
الأحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا ، وأما في باب
الصدق : فأرجو أنه لا بأس به ، إلا أنه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ،
ومثالب آخرين مناكير " انتهى ـ .
وهذا الحديث مما يدخل في هذا الباب .
وقال عنه الدراقطني : " ثقة ، يخطئ على معمر في أحاديث لم تكن في الكتاب " .
انتهى من " سؤالات أبي عبد الله بن بكير وغيره لأبي الحسن الدارقطني " (ص 35 ) .
ولعل هذا منها ، خاصة أن عبد الرزاق لم يذكر هذا الحديث في مصنفه ، كما أشار إلى
ذلك محقق كتاب البلاذري .
وقال ابن حبان في كتابه " الثقات " ( 8/ 412 ) :
" وكان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر ، وكان ممن يخطئ إذا حدث من حفظه ، على تشيع فيه "
انتهى .
وقال الإمام أحمد: " عبد الرزاق لا يعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره ، كان
يلقَّن أحاديث
باطلة " انتهى من " شرح علل الترمذي " لابن رجب ( 2/577-578 ).
وقال ابن رجب : " وقد ذكر غير واحد أن عبد الرزاق حدث بأحاديث مناكير في فضل علي
وأهل البيت ، فلعل تلك الأحاديث مما لقنها بعد أن عمي ، كما قال الإمام أحمد ..
وقال النسائي : عبد الرزاق ما حُدِّث عنه بآخرة ففيه نظر " انتهى من " شرح علل
الترمذي " ( 2/580 ).
وقد وقع اضطراب في سند هذا الحديث كما في " المنتخب من علل الخلال " لابن قدامة
(228):
" وسألت أحمد ، عن حديث شريك ، عن ليث ، عن طاوس ، عن عبد الله بن عمرو ، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يطلع عليكم رجل من أهل النار " فطلع معاوية .
قال : إنما رواه ابن طاوس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أو غيره ، شك فيه .
قال الخلال : رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس قال : سمعت فُرخاش يحدث هذا
الحديث عن أبي عن عبد الله بن عمرو " انتهى.
ومع هذا الاضطراب في السند وقع اضطراب آخر في متنه ؛ ففي هذه الرواية عند
البلاذري جاء فيها أنه يطلع رجل من أهل النار وفيها أن الطالع هو معاوية رضي الله
عنه ، وفي مسند أحمد (11/71 ) " ليدخلن عليكم رجل لعين " ، وكان الداخل الحكم .
وفي رواية أخرى ذكرها الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/147 ) ونسبها للطبراني في
الكبير وفيها " ليطلعن عليكم رجل يبعث يوم القيامة على غير سنتي ، أو على غير ملتي
" ولم يعين فيها الطالع .
فمع هذا الاضطراب في سند ومتن هذا الحديث ؛ لا يمكن لمن كانت عنده مسكة من علم ،
وعقل ، ودين : أن يعتمده في الطعن على واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
، فضلا عن الشهادة عليه بذلك البهتان البالغ .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |