عنوان الفتوى : الأغراض الشرعية الموجبة تغطية المرأة وجهها
ما الدليل على وجوب النقاب ؟. وإذا كان النقاب فرضا فعن ماذا ينهانا الله في قوله"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم "
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن تغطية المرأة لوجهها وكفيها عن الرجال الأجانب واجبة، وتدخل في حجابها الشرعي كما هو مبين في الفتوى رقم: 4470.
وأما قولك : إن كان الواجب على المرأة تغطية وجهها، فلماذا أمر الله الرجال بغض البصر في قوله تعالى :قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ .(النور:30) ؟! وما أتى بمعناها من الأحاديث النبوية التي حثَّت المؤمن على حفظ البصر .
وللجواب على هذا نقول :
أولاً : إن مثل هذا الأمر من الله سبحانه ومن رسوله صلى الله عليه وسلم لا يلزم منه إباحة كشف المرأة المسلمة لوجهها وكفيها؛ لأنه كان يوجد في المجتمع الإسلامي في عهد النبوة الكثير من نساء اليهود، وكذلك الإماء ممن لا يلزمهنَّ الحجاب الكامل، ومثل هذا باقٍ في مجتمعنا اليوم، فنساء الكفار السافرات والمتبرجات كثر، فلذا أمر المؤمن بغض بصره عن مثل هذا .
قال البخاري في صحيحه : قال سعيد بن أبي الحسن لـ الحسن : إن نساء العجم يكشفن صدورهنَّ ورؤوسهنَّ.
قال : اصرف بصرك عنهنَّ ، يقول الله عز وجل :قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِم وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ . قال قتادة : عما لا يحل لهم. انتهى
فغير المؤمنات لن يمتثلن لأمر الحجاب، كما أن الإماء المسلمات يجوز لهنَّ كشف وجوههنَّ ورؤسهنَّ.
ثانيًا: إن المرأة مهما تحفظت وبالغت في الستر، فقد يبدو منها بعض ما لا يجوز أن يظهر منها بقصد أو بغير قصد، فلذا أمر الرجال بغض البصر، في مثل هذه الحالة، ولذا فمن وقع بصره فجأة من غير قصدٍ على ما لا يجوز له رؤيته عفي عنه في النظرة الأولى، ووجب عليه صرف بصره بعد ذلك، فقد روى مسلم والترمذي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.
ثالثًا : إن المرأة وإن غطت جسمها كاملاً فإن بعض الناس قد ينظر إلى شخصها ليعرف قوامها، ويتلذذ بالنظر إليها، فيحرم عليه النظر كذلك؛ وإن كانت محجبة.
رابعًا: إن هناك حالات يجوز للمرأة المسلمة كشف وجهها فيها كالشهادة والقضاء والبيع، ونحوها من الحالات الشرعية. فيكون النظر بقدر الحاجة، ويجب على الرجل غض بصره بعد ذلك .
خامسًا : إن المرأة المسلمة مأمورة بتغطية رأسها وصدرها وساقيها وفخذيها، ولا ينازع اليوم في ذلك، والرجل مأمور بكف بصره عن مثل ذلك، فلقائل أن يقول : ما دام الرجل مأمور بصرف وحفظ بصره، فلماذا تؤمر المرأة بتغطية ثدييها وفخذيها؟!
ومثل هذا القول معلوم فساده وسقوطه، ومثله قول من يقول : فلماذا تؤمر المرأة بتغطية وجهها وكفيها فالشريعة جاءت لسد باب الفتنة فلم تقتصر على أمر الرجل بغض البصر؛ لأنه يوجد في المجتمع من يشق عليه ذلك، ومن يغويه الشيطان، ولذا أمرت النساء بالحجاب الكامل .
فكان الأمر بغض البصر تأكيدًا للحجاب وسدت الشريعة ذريعة الفتنة من الجانبين، من جانب المرأة بأمرها بالستر التام، ومن جانب الرجل بأمره بغض البصر.
وأخيرًا نقول : إن الأمر بغض البصر عن النساء يفيد تحريم النظر إلى وجه المرأة الأجنبية.
وفي مثل هذا العصر الذي قلَّ فيه الورع وانتشر فيه الفسق ورقة الدين إذا خرجت المرأة سافرة فإنها تجعل كثيرًا من الرجال ينظرون إلى وجهها بشهوة، فتكون قد تسببت في وقوعهم في الحرام، فتأثم، فإما أن تبقى في بيتها ولا تخرج حتى لا تكون سببًا للفتنة، وإما أن تخرج سافرة وتعرف أنه لا أحد من الرجال سينظر إليها، وهذا لا يخفى بُعْده. ولم يبق إلا أنها إن خرجت لحاجتها فيلزمها تغطية وجهها وكفيها .
قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج شرح المنهاج : من تحققت نظر أجنبي لها يلزمها ستر وجهها عنه، وإلا كانت معينة له على حرام فتأثم. انتهى
والله أعلم.