عنوان الفتوى : تنازل قبل موته عن ثروته لبناته وزوجته بالبيع في المحكمة وله إخوة
توفي رجل، وترك ثلاث بنات، وزوجة، وكان لديه من الإخوة اثنان، وأخت متوفاة، لكن لديها أبناء، قبل موته تنازل عن كل ثروته لصالح بناته الثلاث، وزوجته عن طريق البيع المباشر في المحكمة ؟؟ ما الحكم في ذلك؟ وكيف توزع التركة في هذه الحالة؟ وهل يعاد توزيعها مرة أخرى لتجنب الإثم الذي وقع فيه ؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا لم تكن هناك هبة حقيقية، مستوفية لشروط صحة ومضي الهبة، أو بيع حقيقي، تترتب عليه آثار العقد الصحيح، من انتقال ملكية الثمن للبائع، والمثمن للمشتري، فيعتبر هذا عقدا صوريا بقصد التحايل على حرمان بقية الورثة، ولا أثر له، والمال تركة يوزع على جميع الورثة كل حسب نصيبه الشرعي .
أما إن كان الرجل قد باع أملاكه في حال صحته – وليس في مرض مخوف - بيعا حقيقيا لزوجته وبناته، فإن البيع صحيح ولو حاباهم فيه.
جاء في الموسوعة الفقهية: الْمُحَابَاةُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ:
أَوَّلاً : الْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
أ - الْمُحَابَاةُ مِنَ الصَّحِيحِ :
2 - الْمُحَابَاةُ مِنَ الصَّحِيحِ غَيْرِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اسْتِحْقَاقُ الْمُتَبَرَّعِ لَهُ بِهَا مِنْ جَمِيعِ مَال الْمُحَابِي، إِنْ كَانَ صَحِيحًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ الْمُحَابَاةَ تُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْحَال، فَيُعْتَبَرُ حَال التَّعَاقُدِ، فَإِذَا كَانَ الْمُحَابِي صَحِيحًا حِينَئِذٍ فَلاَ حَقَّ لأِحَدٍ فِي مَالِهِ، فَتُؤْخَذُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ لاَ مِنَ الثُّلُثِ. اهــ.
وعلى هذا تصير أملاكه بالبيع ملكا لزوجته وبناته، وليس لبقية ورثته الحق في المطالبة بالإرث منها؛ لأنها خرجت عن ملك مورثهم في حياته.
وأما إن كان باعهم في مرضه المخوف، وحاباهم في البيع، فإن هذا البيع يتوقف إمضاؤه على موافقة الورثة، فإن وافقوا، مضى البيع, وإن لم يوافقوا لم يمض البيع، واقتسم الورثة البيت بينهم القسمة الشرعية.
جاء في الموسوعة الفقهية:
الْمُحَابَاةُ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِوَارِثِهِ:
4 - إِنْ كَانَتِ الْمُحَابَاةُ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِوَارِثِهِ، فَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ إِذَا أَجَازَهَا بَاقِي الْوَرَثَةِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُحَابَاةُ يَسِيرَةً أَوْ فَاحِشَةً؛ لأِنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، اتَّفَقَ عَلَى هَذَا الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ. إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِ وَارِثٍ تَجُوزُ إِذَا كَانَتْ يَسِيرَةً - أَيْ يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ - وَيَحْسَبُ مِنْ جَمِيعِ مَال الْمَرِيضِ كَبَيْعِهِ بِثَمَنِ الْمِثْل . وَقَال الْحَنَابِلَةُ: تَبْطُل الْمُحَابَاةُ، وَيَبْطُل الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا عَدَا قَدْرَ الْمُحَابَاةِ ثَلاَثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لاَ يَصِحُّ، لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ بَذَل الثَّمَنَ فِي كُل الْمَبِيعِ فَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي بَعْضِهِ .... اهــ.
وأما إذا تنازل لهم من غير عوض، فهذه هبة ولو سماها بيعا، أو أخبر المحكمة بأنها بيع, فإن كانت في حال صحته، وقبضت الزوجة والبنات الأملاك، فالهبة ماضية وإن أراد بها حرمان بقية الورثة، وأما إن وهبهم أملاكه في مرضه المخوف، فإن هذه الهبة تأخذ حكم الوصية للوارث، فلا تمضي إلا برضا بقية الورثة.
وينبغي عند التنازع والاختلاف رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية فهي أقدر على سماع كلام الأطراف المتنازعة والفصل بينهم .
والله تعالى أعلم