عنوان الفتوى : حرض امرأة على مفارقة زوجها ثم تزوجها وادعى أن ولدها من زوجها الأول ولده
قام رجل بتشجيع إحدى النساء على الهرب من زوجها، وقد كان معها منه ولد، فذهبت إلى المحكمة وخالعته ، ثم بعد ذلك تزوجها ذلك الرجل ، وأدّعى أن الولد ولده ، وليس ولد الزوج الأول. فما رأي الشرع في هذه المسألة ؟
الحمد لله
أولا :
ما قام به هذا الرجل من تحريض المرأة على الهرب من زوجها ومخالعته عمل محرم ، وإثم
عظيم ، فلا يحل لمسلم أن يتقدم بعرض الزواج على أي امرأة متزوجة ، أو يفسدها على
زوجها ، حتى من غير طلب زواج ، أو رغبة فيه ، مهما كان السبب ؛ فقد ورد في ذلك
الوعيد الشديد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ
امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا ) رواه أبو داود (2175) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي
داود " .
ثانيا:
ما قامت به المرأة من مخالعة زوجها دون سبب يستوجب ذلك : ورد الوعيد الشديد فيه في
قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي
غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ ) رواه الترمذي (1187).
صححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
ثالثا:
ولأجل الجريمة التي اقترفاها ، وشناعة ما وقعا فيه : فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن
من أفسد امرأة على زوجها ، لم يحل له أن يتزوجها ، بل تحرم عليها على التأبيد ، وهو
مذهب المالكية.
وجمهور العلماء يرون صحة النكاح ، مع إثمهم فيما وقعوا فيه .
رابعا:
لا يحل لهذا الرجل ، ولا لغيره ، أن ينسب ولد غيره لنفسه ، بل هذا من الكذب والزور
، والعدوان على حق الغير ، وإفساد الأنساب ، وفيه من المفاسد الشيء العظيم ، ولأجل
ذلك حرم الله التبني ، بنسبة ولد الغير إلى نفسه ، حتى ولو وافق أبوه ، أو لم يعرف
له والد ؛ فكيف إذا كان قد اغتصبه اغتصابا ، وادعاه لنفسه ؟ هذا أشد وأشنع .
قال الله تعالى : ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ
وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا
جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ
هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ
فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ
وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )
الأحزاب/4-5.
فالواجب عليهما أن يتقيا الله ، ويتوبا إليه من تلك الجرائم : جريمته في إفساد
المرأة على زوجها ، وجريمتها في مطاوعته في ذلك ، واختلاعها من زوجها ؛ ثم جريمته
في ادعاء ولد الغير إلى النفس ، وإعانتها هي لهذا الباغي على بغيه وعدوانه ،
وليحذرا من غضب الله وعقابه ؛ وليعلما أن الله شديد العقاب ، وأنه يمهمل ولا يهمل ؛
قال الله تعالى : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ
الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ )
إبراهيم/42 .
روى مسلم في صحيحه (2583) عَنْ أَبِي مُوسَى، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي
لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ، ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ
رَبِّكَ، إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )
.
وللاستزاده انظر سؤال رقم: (84849)
و(185184).
والله أعلم .