عنوان الفتوى : تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها
الاسلام يجازي من سن سنة حسنة أو سيئة إلى يوم القيامة لأنه كان سببا وقدوة مع الإيمان بأنه لاتزر وازرة وزر أخرى فلوأن إنسانا تصدق ورآه الناس فيرجى أن ينال الأجر لأنه سن سنة حسنة أما
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ،،،
قال تعالى: "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق … الآيات ، فروى ابن جرير عن ابن عمرو قال: إن ابني آدم اللذين قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر كان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم ، وإنما أمرا أن يقربا قرباناً ، وإن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه ، وإن صاحب الحرث قرب أشر حرثه الكودن والزودن غير طيبة بها نفسه ، وإن الله عزوجل تقبل قربان صاحب الغنم ولم يتقبل قربان صاحب الحرث ، وكان من قصصهما ما قص الله في كتابه ، قال: وايم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه . وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل" متفق عليه . والكفل : الجزء والنصيب . والحديث واضح في أن ابن آدم (قابيل) عليه نصيب وجزء من وزر كل قاتل يَقتل ظلماً ، لأنه أول من سن القتل ، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جرير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ". وسن السنة السيئة على قسمين : قسم لم يكن موجوداً في الأصل ويكون صاحبه أول من عمله ، فهذا – إذا لم يتب منه – فعليه نصيب من وزر من عمل به كما كان من قابيل حيث إنه لم يتب من ذنبه الذي فعله "فأصبح من الخاسرين" وأما قوله تعالى "فأصبح من النادمين" فلم يكن هذا ندم توبة وإنما كان ندمه على فقده لأخيه لا على قتله إياه وارتكابه هذا الذنب ، قال ابن عباس: ولو كان ندامته على قتله لكانت الندامة توبة منه ، وقيل ندم على حمله جثة أخيه مدة من الزمن حال عدم علمه كيف يفعل بها فلما رأى الغراب يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه " ندم على تعبه في حمله . وأما من تاب من ذنبه فلا يحمل شيئاً من أوزار من عمل بمثل ما عمل ، لأن آدم كان أول من خالف في أكل ما نهي عنه ، ولا يكون عليه شيء من أوزار من عصى بأكل ما نهي عنه بعده بالإجماع لأن آدم تاب من ذلك وتاب الله عليه فصار كمن لم يجن . والقسم الثاني من سن السنة السيئة : هو أن يعمل بمعصية يظهرها بعد أن كانت خافية أو يعملها وإن كانت ظاهر ولكن اقتدى بفعله هذا آخرون فعليه وزرهم كذلك، إلا أن يتوب من معصيته تلك ، ولذا كان أحد السلف يقول لأن أكون ذَنَباً في الحق خير لي من أن أكون رأساً في الباطل ، وكذلك كل من أحدث في دين الله ما لا يجوز من البدع والأهواء أو أحدث ظلماً لم يكن موجوداً من قبل أو كان موجوداً فأظهره فاقتدى به الناس سواء أقصد أن يكون قدوة في ذلك أم لا ، فعليه وزر من عمل به إلى يوم القيامة إلا من تاب من ذلك . قال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً …) فمن قتل نفساً بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض ، فكأنما قتل الناس جميعاً ، لأنه لا فرق عند الله بين نفس ونفس ، ومن أحياها ، أي حرم قتلها واعتقد ذلك فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار ، قال أبوهريرة : دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين . فقال: يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم ؟ قلت: لا، قال: فإنك إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قتلت الناس جميعاً فانصرف مأذونا لك مأجوراً غير مأزور. وأما مشابهة هذا للخطيئة عند النصارى فغير صحيح حيث إنهم يقولون إن عيسى يكفر خطيئة آدم ، وهذا عبث كيف يسأل الإنسان عن جريرة غيره وعن ذنب أحدثه أحد قبله ولم يكن هو المتسبب فيه لا من قريب ولا من بعيد ، وأما في قصة ولد آدم فإنه يتعلق به سبب من ذنب من فعل مثل فعله حيث إنه أول من سن هذه السنة السيئة وإن كان لم يقصد أن يقتدى به . هذا والله نسأل أن يوفقنا للصواب وأن يهدينا للحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . والله أعلم .