عنوان الفتوى : بدون تشجير
امرأة في بداية حملها وتعاني من نزيف دم ، وذهبت إلى الدكتورة ،فقالت لها الدكتورة : إن النزيف سيستمر حتى الشهر الخامس، فهل تصلي وتصوم أم ما الحكم في ذلك ؟
بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:-
الأيسر أن نفتيك بمذهب الإمام أبي حنيفة من أن هذا النزيف لا يدخل في الحيض ، ولعل مما يعضد ذلك أن الطبيبة أخبرتك أن هذا النزيف له سبب مرضي ، والحيض ليس له سبب مرضي.
يقول الشيخ عطية صقر – رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا رحمه الله-:
اختلف العلماء في الدم الذي ينزل من الحامل هل هو دم حيض أم لا، فرأى أبو حنيفة ومن قبله عطاء والشعبي أنه ليس حيضا ولا يأخذ حكمه ، لقوله تعالى : {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد} الرعد : 8 على معنى أن الحيض هو انقطاع دم الحيض أثناء الحمل ، والازدياد هو دم النفاس بعد الوضع ، وهو رأى الأمام أحمد أيضا .
ورأى مالك والشافعي في أحد قوليه أن الحامل تحيض ، وهو تأويل ابن عباس للآية بأنه حيض الحبالى ، وكذلك روى عكرمة ومجاهد وهو قول عائشة وأنها كانت تفتى النساء الحوامل إذا حضن أن يتركن الصلاة والصحابة إذ ذاك متوافرون ، ولم ينكر منهم أحد عليها ، فصار كالإجماع قاله ابن القصار، وذكر القرطبى فى تفسيره “ج 9 ص 286” حادثة أيام عمر استدل بها على أن الحامل تحيض ، ثم قال : احتج المخالف -وهو أبو حنيفة ومن معه- بأن قال : لو كانت الحامل تحيض وكان ما تراه المرأة فى الدم حيضا لما صح استبراء الأمة بحيض ، وهو إجماع وروى عن مالك فى كتاب محمد : ما يقتضى أنه ليس بحيض .انتهى .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن من شروط الحيض أن يكون الرحم خاليا من الحمل ، فما تراه الحامل من الدم يكون دم فساد، لكن المالكية والشافعية قالوا : إنه يكون دم حيض ، إلا أن الشافعية قالوا : تعتبر مدة حيضها فى الحمل كعادتها فى غيره ، أما المالكية فإنهم قالوا : إن رأت الحامل الدم بعد شهرين من حملها إلى ستة أشهر فإن مدة حيضها تقدر بعشرين يوما إن استمر الدم ، وفى ستة أشهر إلى آخر الحمل تقدر بثلاثين يوما ، أما إذا رأت الدم فى الشهر الأول أو الثانى من حملها كانت كالمعتادة ، وفسروا ذلك بأن حيضها يقدَّر بثلاثة أيام زيادة على أكثر عادتها استظهارا ، فإن اعتادت خمسة أيام ثم تمادى حيضها مكثت ثمانية أيام ، فإن استمر بها الدم فى الحيضة الثالثة كانت عادتها ثمانية ، لأن العادة تثبت بمرة ، فتمكث أحد عشر يوما ، فإن تمادى فى الحيضة الرابعة تمكث أربعة عشر يوما ، فإن تمادى بعد ذلك فلا تزيد على الخمسة عشر يوما ، ويكون الدم الخارج بعد الخمسة عشر، أو بعد الاستظهار بثلاثة أيام على أكثر العادة قبل الخمسة عشر يوما -دم استحاضة . انتهى .
هذا هو الحكم الشرعى فى رأى الفقهاء فى الدم الذى ينزل على الحامل هل هو حيض أو لا؟ ولعل الطب له كلام فى هذا الموضوع ، يمكن به التمييز بين دم الحيض والنزيف ، بناء على ما قيل : إن دم الحيض أعداد للرحم لاستقبال البويضة الملقحة فإن استقرت فيه يقال لا توجد فرصة لاستقبال بويضة أخرى ليوجد حملان فى الرحم بينهما مدة ، ولو وجدت بويضتان معا كان الحمل توأما ، فهل يمكن أن تحل بالرحم بويضة ثم بعد فترة تحل بويضة أخرى فيكون هناك حملان ، أحدهما قبل الآخر؟ وقد يولدان معا أو يوجد فاصل بينهما فى الوضع ، لعل هناك جوابا يوضح ذلك عند المختصين .
هذا ، وقد جاء فى المغنى لابن قدامة “ج 1 ص 375” أن الحامل لا تحيض ، إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس ، وهو مذهب أحمد وأبى حنيفة ورأى جمهور التابعين . وقال مالك والشافعى :
ما تراه من الدم حيض إذا أمكن ، لأنه دم صادف عادة فكان حيضا كغير الحامل ، واستدل لمذهب أحمد بالحديث “لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل -أى غير حامل- حتى تستبرأ بحيضة” موجها ذلك بأن وجود الحيض علامة على براءة الرحم ، فدل على أنه لا يجتمع مع الحمل وقال : إن الحامل لا يعتادها الحيض غالبا ، فلم يكن ما تراه فيه حيضا كالآيسة، قال أحمد إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم . وحمل رأى عائشة فى أنه حيض على ما تراه الحامل من الدم قريبا من ولادتها فهو نفاس لا تصلِّى فيه .
ورأيى أن مذهب أبى حنيفة وأحمد أيسر فى التطبيق فلا يعدُّ دم الحامل حيضا، إلا ما يرى قبيل الولادة فيكون نفاسا لا تصلى ولا تصوم – فيه ، ومذهب مالك فيه صعوبة بالصورة التي ذكرت فى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ، ولا يجب التعصب لرأى فى الفروع، ودين الله يسر.
والله أعلم .