عنوان الفتوى : منهج السلف في تفسير وبيان الصفات الإلهية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قال مالك - رحمه الله -: "الاستواء معلوم, أو غير مجهول، والكيف مجهول أو غير معقول، والإيمان به واجب، و

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن معاني هذه الصفات لا تخفى على أحد عرف العربية، فالواضح والبين من الألفاظ لا يفسر، والعلماء فسروا الاستواء بالعلو والارتفاع؛ لأن لفظه قد يخفى على بعض الناس، وليس واضحًا كوضوح النزول واليد وغيرهما، وقد قال شيخ الإسلام: والسلف فسروا الاستواء بما يتضمن الارتفاع فوق العرش, كما ذكره البخاري في صحيحه عن أبي العالية في قوله {ثم استوى} قال: ارتفع. وكذلك رواه ابن أبي حاتم وغيره بأسانيدهم رواه من حديث آدم بن أبي إياس عن أبي جعفر عن أبي الربيع عن أبي العالية: {ثم استوى} قال: ارتفع. وقال البخاري: وقال مجاهد في قوله: {ثم استوى على العرش} علا على العرش. انتهى.
ولهذا لم يفسروا العلو الذي هو من صفات الله تعالى بمعنى آخر لوضوحه، والسائل نفسه لم يستشكل معنى العلو الذي فسر به الاستواء لوضوحه، فما يقال في العلو يقال في النزول واليد والعين والضحك.
ومن اطلع على كلام السلف في النزول واليد والعين والضحك لا يجدهم قد فسروها بتفسيرات أخرى، بل نفوا عنها المعاني واللوازم الباطلة التي ذكرها أهل البدع.
ومثال آخر يوضح ما سبق: قوله تعالى: فَلَمّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف : 55] قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: {فَلَمّا آسَفُونَا}؛ أي: أغضبونا، والأسف: الغضب، يُقال: أسِفت آسَف أسفاً؛ أي : غضبت. وفي المقابل لم يفسروا الغضب بمعنى آخر لوضوحه. قال الطحاوي في عقيدته المشهورة: والله يغضب ويرضى لا كأحدٍ من الورى. قال الشارح ابن أبي العز الحنفي: ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب والرضى والعداوة والولاية والحب والبغض ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة. انتهى.
وهذه بعض النقول عن ابن خزيمة - رحمه الله تعالى - في الصفات التي سأل عنها السائل تبين طريقة أئمة أهل السنة والجماعة التي ساروا عليها، من أنهم لا يفسرون تلك الصفات بتفسيرات أخرى لوضوحها, قال - رحمه الله - في كتاب التوحيد: باب: ذكر إثبات اليد للخالق البارئ جلَّ وعلا، والبيان أنَّ الله تعالى له يدان كما أعلمنا في محكم تَنْزيله. انتهى.
وقال - رحمه الله -: باب: ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام، رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة: نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نُزول الرب، من غير أن نصف الكيفية؛ لأنَّ نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه يَنْزل، والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه عليه السلام بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم؛ فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النُّزول، غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النُّزول. انتهى.
وقال - رحمه الله -: نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى، وما في السماوات العلى. انتهى.
وقال - رحمه الله -: باب: ذكر إثبات ضحك ربنا عَزَّ وجلَّ بلا صفةٍ تصفُ ضحكه جلَّ ثناؤه، لا ولا يشبَّه ضَحِكُه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك، بل نؤمن بأنه يضحك؛ كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم، ونسكت عن صفة ضحكه جلَّ وعلا؛ إذ الله عَزَّ وجلَّ استأثر بصفة ضحكه، لم يطلعنا على ذلك؛ فنحن قائلون بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، مصَدِّقون بذلك، بقلوبنا منصتون عمَّا لم يبين لنا مما استأثر الله بعلمه. انتهى.

والله أعلم.