عنوان الفتوى : ماذا يفعل من يظن في أحد أقاربه أنه يحسده
أشكركم على موقعكم المبارك - أسأل الله أن يجزي القائمين عليه خير الجزاء -. هل لي أن أعرف طريقة علاج العين والحسد؟ فأنا أشك في شخص من أقاربي يكبرني بنحو 35 سنة, فهو إذا رآني يصدر من أنفاسه صوت ضيق وأزيز - خاصة إذا رآني أُحسِن للناس - ويحاول أن يمنعني من الكلام, ويقاطعني إذا تكلمت مع أحد, ويرفع صوته عن طريق مكبر الصوت ويزعجني, ويقول: أنا أفعل ذلك وأشد عليك لكي تصبح لديك شخصية قوية, فهل يفعل مثل هذا في بيوت الله؟ وهو يقول كلامًا يبين لي فيه أنه يفعله لأجل مقاصد حسنة, مع أنه يسيء إليّ بذلك, وكيف يتم علاج هذه الحالة؟ فقد أصبحت أكره بيتنا وأقاربي ودراستي, وأصبحت لا أطمح للأفضل, ونسيت كثيرًا من القرآن, ولم أتوظف للآن, وهو من أقارب أمي, فكيف يتم طلب الوضوء منه - إن كان أصابني بالعين مثلًا أو الحسد -؟ فمن الممكن أن تحصل مقاطعة بين العائلتين, علمًا أن عمري 26 وهو يكبرني بكثير, فأفتونا مأجورين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك العافية, وننصحك دائمًا بالتحصن من العين وغيرها بالمواظبة على الأذكار, ونوصيك بالحذر من إساءة الظن بقريبك, واتهامه دون بينة واضحة أو قرينة ظاهرة، فقد منع الشرع اتهام المسلم بالسوء, كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}، وفي حديث الصحيحين: إياكم والظن, فإن الظن أكذب الحديث. وقد فسر ابن كثير الظن المنهي عنه بالتهمة, والتخون للناس في غير محله، وذكر قول عمر - رضي الله عنه -: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا. وذكر حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرًا. رواه ابن ماجه.
وروى الطبري عند تفسيره عند هذه الآية: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: نهى الله المؤمن أن يظن بالمؤمن شرًا، ثم قال: إن ظن المؤمن الشر لا الخير إثم؛ لأن الله تعالى نهاه عنه. انتهى.
وقال الحافظ في الفتح: وقال القرطبي: المراد هنا التهمة التي لا سبب لها, كما يتهم رجلًا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها. انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حرامًا واجب الاجتناب؛ ذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد به والخيانة محرم، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث. اهـ
ثم إن العين من قدر الله تعالى الذي أكد الرسول صلى الله عليه وسلم سرعة نفاذه، وأما في علاجها فقد أمر رسول الله - عند التحقق من العائن - أن يغتسل العائن ثم يغتسل منه المعين، وحمل كثير من أهل العلم اغتساله على الوجوب إذا طلب منه ذلك, كما قال العراقي والعيني والزرقاني وغيرهم, فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العين حق. متفق عليه، زاد مسلم: ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا.
وروى سهل بن حنيف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة, حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الحجفة اغتسل سهل بن حنيف, وكان رجلًا أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعه أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل, فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخباة، فلبط سهل, فأتى رسول الله فقيل له، يا رسول الله, هل لك في سهل, والله ما يرفع رأسه وما يفيق! قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر, فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت, ثم قال له: اغتسل له, فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح, ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه, ثم يكفئ القدح وراءه، ففعل به ذلك, فراح سهل مع الناس ليس به بأس. رواه أحمد في مسنده.
وجاء في بعض الروايات الأمر بالوضوء كما في الحديث عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغسل منه المعين. رواه أبو داود، وصححه الألباني, وفي رواية الموطأ لحديث سهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق توضأ له.
وهذا الوضوء حمله الزرقاني في شرح الموطأ على الاغتسال المذكور في الأحاديث الأخرى.
وإذا تأكدت من إصابتك بالعين فيشرع لك طلب الاغتسال من هذا الرجل, ولو أنكم خشيتم حصول مشكلة من طلب الاغتسال فواصلوا الرقية الشرعية حتى يتم الشفاء.
وراجع فيها الفتاوى التالية أرقامها: 3273، 7151، 7967، 1796، 48991.
والله أعلم.