عنوان الفتوى : توقير الصحابة وإجلالهم يكون في غير غلو ، وعلى الوجه الذي جرى عليه عمل المسلمين .
جرت العادة في باكستان على أن يُسبق اسم الصحابي عند الحديث عنه بلقب "حضرة.."، وهذا أثار حفيظة بعض الطلاب المنتصرين للحركة النسوية فقالوا: ولما لا يُستخدم لقب مشابه عند الحديث عن النساء الصحابيات ؟
الحمد لله.
أولا :
محبة الصحابة وتوقيرهم والترضي عنهم من الإيمان ؛ فإنهم خير الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ، ومحبتهم من محبته ، وتوقيرهم من توقيره .
قال الإمام أحمد رحمه الله :
" فَأَدْنَاهُمْ صُحْبَةً هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ , وَلَوْ لَقُوا اللَّهَ بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ . كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَوْهُ وَسَمِعُوا مِنْهُ وَمَنْ رَآهُ بِعَيْنِهِ وَآمَنَ بِهِ وَلَوْ سَاعَةً أَفْضَلَ بِصُحْبَتِهِ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَوْ عَمِلُوا كُلَّ أَعْمَالِ الْخَيْرِ " .
انتهى من "شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (1/ 180) .
ثانيا :
لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء منهم ، فكلهم في أصل المحبة والتعظيم والتبجيل سواء ، ثم يتفاوتون في مقدار ذلك بتفاوت درجاتهم في الصحبة والفضل .
وهذا أمر ينبغي أن يجتمع عليه الناس ولا يتفرقوا ولا يغالوا فيه ، وكل ما يستدعي التفريق والاختلاف والمغالاة فالواجب نبذه وهجره ؛ لأن محبتهم وإجلالهم تستدعي التحالف لا التخالف ، فكل ما كان بضد ذلك فهو منبوذ مذموم .
ثالثا:
الذي جرى عليه عمل الناس - وهو ما عليه أهل الرواية قاطبة - هو الترضي عن الصحابة رضي الله عنهم ذكرانا وإناثا ، صغارا وكبارا ، دون أن يسبق اسم الواحد منهم لفظ تعظيم وتفخيم ، مثل " حضرة " أو " السيد " أو " سيدنا " ونحو ذلك .
فالذي ينبغي عدم العدول عنه
هو ما جرى عليه عمل الناس من لدن التابعين إلى يومنا هذا ، وهو أن يقال مثلا " أبو
بكر رضي الله عنه " ، " أبو سعيد الخدري رضي الله عنه " ، " عائشة رضي الله عنها "
فإن كان لأحدهم لقب متعارف عليه بين السلف فاعتماده لا حرج فيه ، كأن يقال " أبو
بكر الصديق " ، " عمر الفاروق " ، " عائشة أم المؤمنين " ، ونحو ذلك .
أما تلقيب أحدهم بـــ " حضرة
" أو نحوها وجعل ذلك للرجال منهم دون النساء ، والتزام ذلك والاستدامة عليه ، ثم
حصول الخلاف بين المسلمين من جرائه ، فالذي يظهر ، والله أعلم : أنه من التكلف الذي
نهينا عنه .
والواجب أن يقرر في النفوس حب الصحابة جميعا ، ومعرفة حقهم ، والترضي عنهم ؛ وأما
أنصار الحركة المذكورة فليست قضيتهم تقديم ما قدم الله ورسوله ، وتأخير ما أخره ،
ولا غيرة على أصل شرعي ، وحق ديني ، إنما هي طرد للوثة غلبت عليهم ، في كل شيء ؛
حتى لو قلت لهم : لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ، لأغضبهم أشد من ذلك ، وأثار
حفيظتهم .
على أننا نرى أن يكون الباب واحد في الأدب اللفظي مع أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم ؛ فمن التزم مثل هذه الألفاظ مع الرجال منه ، كان ينبغي عليه أن يلتزمها مع
نساء الصحابة ، رضوان الله عليهم جميعا .
والخلاصة :
أن مثل هذه المسألة يجب ألا تحدث نزاعا بين المسلمين ، وإذا حصل نزاع في مثل ذلك
وجب رد المتنازعين إلى عمل السلف وهديهم ، فيقتصر عند ذكر الصحابة على الترضي عنهم
ذكرانا وإناثا صغارا وكبارا ، ومن كان له لقب أو وصف ثابت له شرعا فلا حرج في
تخصيصه به عند ذكره .
وكذا لو أُطلق أحيانا لفظ يدل على التبجيل والتفخيم لأحدهم رضي الله عنهم دون قصد
تخصيصه بذلك ، ودون التزام لمثل هذه الألفاظ في حديثه كله : فلا حرج .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (84853)
.
والله أعلم .