عنوان الفتوى : مدلول الحصر في حديث : (أهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق..) .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم : " أهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قرب ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال ." ؛ هل هذا يعني أن هؤلاء فقط هم أهل الجنة ؟ أي : أليس أسلوب التقسيم الوارد في الحديث يدل على الحصر؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
أولا :
روى مسلم ( 2865 ) عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ ) .
وقد تقدم شرحه في جواب السؤال رقم : (130860)

ثانيا :
هل يفيد هذا الحديث الحصر بحيث إنه لا يدخل الجنة إلا هذه الأجناس الثلاثة ؟ قيل : نعم ، يفيد الحصر ؛ فإن أهل الجنة لا يخرجون عن هذه الأجناس الثلاثة من الناس ، فعبر بالسلطان المقسط : عن كل ذي ولاية ، فيدخل في ذلك الحاكم في ولايته ، والأب في أسرته ، والرئيس في عمله ، وكل من له ولاية على أحد .
وعبّر بالرحيم رقيق القلب : عن عموم المسلمين ، فالمسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ، ويحبه ، ويحب له ما يحب لنفسه من الخير ، ويعطف عليه ويرفق به ويرحمه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ) رواه مسلم (54) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) رواه أبو داود (4941) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) رواه أبو داود (3125) وصححه الألباني .
وعبر بالعفاف عن تقوى الله المانعة من تعدي حرمات الله والتجاسر عليها ، قال القاري رحمه الله : " وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَشَارَ بِالْعَفِيفِ : إِلَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْقُوَّةِ الْمَانِعَةِ عَنِ الْفَوَاحِشِ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (7/ 3107)
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله : " وَإِذِ اسْتَقْرَيْتَ أَحْوَالَ الْعِبَادِ ، عَلَى اخْتِلَافِهَا : لَمْ تَجِدْ أَحَدًا يَسْتَأْهِلُ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَيَحِقَّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا ، إِلَّا وَهُوَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ ، غَيْرُ خَارِجٍ عَنْهَا " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (7/ 3107)

وقيل : يفيد أن غالب أهل الجنة إنما يكونون من هؤلاء الأصناف ، فقد يأتي ما يفيد ظاهره الحصر ، ويكون المراد الإشارة إلى الغالب ، كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ ) رواه مسلم (1985) والمقصود إرَادَةُ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُتَّخَذُ الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ .
انظر : "نيل الأوطار" (8/ 201)
ومنه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ ) رواه البخاري (3471) ومسلم (2388)
فإن المراد الإشارة إلى معظم ما خلقت له ، وإلا فقد خلقت للحلب والدر واللحم أيضا . انظر : "فتح الباري" (6/518)

وقيل : لا يفيد الحصر لأنه مفهوم عدد ، ومفهوم العدد لا يفيد الحصر ، والتخصيص بعدد : لا يدل على نفي الزائد .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/ 88):
" الْمَشْهُورَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ : أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَا حُكْمَ لَهُ ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الزِّيَادَةِ ، لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ إِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ ؛ فإذا عَارَضَهُ وَجَبَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ " انتهى بمعناه.
وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( الْكَبَائِرُ سَبْعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَأَكَلُ الرِّبَا، وَأَكَلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْأَعْرَابِيَّةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (5709) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (4606)
قيل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: " هي إلى السبعين أقرب " .
رواه الطبري في "تفسيره" (8/ 246) بسند صحيح .

والله تعالى أعلم .