عنوان الفتوى : تفنيد شبهة أن الله خلق الخلق ليظهر صفاته
ما الجواب عن حجة الملاحدة في مشكلة الشر: لماذا يتألم البرآء, والحيوانات البريئة, والأطفال؟ وهل يفتقر الله عز وجل - ما أقبح الشبهة - إلى خلقنا كي يظهر صفاته؟ وهل يحتاج إلى إظهارها؟ أليس بغني عن كل شيء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما شبهة الملاحدة في تعذيب البرآء والحيوان والأطفال فقد سلف أن كتبنا في الرد عليها، وراجع لذلك الفتويين التاليتين: 175719 . 172571.
وأما عن الشبهة في افتقار الله تعالى إلى خلق الخلق لإظهار صفاته مع أنه الغني عن كل شيء: فالله عز وجل متصف بصفة الغنى الأزلي المطلق فلا تنوبه الحاجة إلى شيء من خلقه، وهو متصف بالكمال قبل أن يخلق الخلق وسيبقى متصفًا به، وإظهاره سبحانه لصفاته في خلق الخلق ليس لحاجة إلى ذلك، بل لو لم يخلق لما فات كماله ولما انتقص، لكن الخلق هم المحتاجون إلى إظهار هذه الصفات وهم المنتفعون بها، فلا ينتفع بأفعال الله تعالى إلا الخلق, يقول الطحاوي: ما زال بصفاته قديمًا قبل خلقه, لم يزد بكونهم شيئًا لم يكن قبلهم من صفته, وكما كان بصفاته أزليًا كذلك لا يزال عليها أبديًا, ليس منذ خلق الخلق استفاد الخالق, ولا بإحداثه البرية استفاد الباري, له معنى الربوبية ولا مربوب, ومعنى الخالقية ولا مخلوق, وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيى استحق هذا الاسم قبل إحيائهم, وكذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم, ذلك أنه على كل شيء قدير, وكل شيء إليه فقير, وكل أمر عليه يسير, لا يحتاج إلى شيء, ليس كمثله شيء, وهو السميع البصير.
وفي معنى الرد عن هذه الشبهة يقول الشيخ ابن عثيمين: فالله عز وجل ليس محتاجًا إلى الخلق, بمعنى أنه لو لم يوجد هذا الخلق لفات كماله، وليس هناك ضرورة إلى وجودهم من باب أولى, فأفعال الله التي يفعلها لا يفعلها لحاجته إليها, ولا لضرورته إليها، ونحن نفعل الأفعال لحاجتنا إليها، فنتكسب لنزداد من المال, وهذه حاجة، ونتكسب لننقذ أنفسنا من الهلاك, وهذه ضرورة, لكن الله عز وجل يفعل بلا حاجة ولا اضطرار؛ لأن الله عز وجل يقول" (وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر: الآية 15)، فهو غني عن كل أحد، حميد على كل فعل وعلى كل صفة، فلا يفعل حاجة ولا يفعل لضرورة ... والآيات في أنه سبحانه لم يخلق الخلق إلا لحكمة كثيرة، لكن هذه الحكمة ليس لأنه محتاج لها هو أو مضطر إليها بل يحتاج إليها الخلق، فالله سبحانه وتعالى يفعل الفعل لحاجة الخلق إليه، لا لحاجته هو إلى الفعل، فهو كامل على كل حال، لكن الخلق هم الذين يحتاجون إلى ما يكون به كمالهم ودفع ضرورتهم؛ ولذلك لا ينتفع بأفعال الله إلا الخلق، فهم يستدلون بها على آياته، وعلى فضله، وعلى عدله، وعلى عقابه وانتقامه، وغير ذلك, فالحاجة إذن للخلق وليست للخالق، أما الخالق عز وجل فإنه يفعل بلا حاجة ولا اضطرار, أما الدليل النظري على أن الله يخلق لغير حاجة ولا اضطرار: أن العقل يدل على كمال الخالق، والكامل لا يحتاج إلى مكمل.
وفي معنى هذه الشبهة أيضا يقول الشعراوي في تفسيره: صفات الكمال ثابتة له سبحانه قبل أن يخلق الخَلْق، إذن: فطاعتهم لن تزيده سبحانه شيئًا، كما أن معصيتهم لن تضره سبحانه في شيء, وهنا قد يسأل سائل: فلماذا التكليفات إذن؟ نقول: إن التكليف من الله لعباده من أجلهم وفي صالحهم؛ لكي تستمر حركة حياتهم، وتتساند ولا تتعاند؛ لذلك جعل لنا الخالق سبحانه منهجًا نسير عليه، وهو منهج واجب التنفيذ لأنه من الله، من الخالق الذي يعلم من خلق، ويعلم ما يصلحهم ويُنظم حياتهم، فلو كان منهج بشر لبشر لكان لك أنْ تتأبّى عليه، أما منهج الله فلا ينبغي الخروج عليه.
وراجع لمعرفة المزيد في حكمة الله تعالى من خلق الخلق الفتوى رقم: 12222.
وراجع الفتوى رقم: 125119 وهي في خطر الشبه على غير الراسخين في العلم.
والله أعلم.