عنوان الفتوى : قضاء الفوائت بقدر الطاقة والوسع
أنا شاب أبلغ من العمر 25 عامًا, ومنذ أن أصبحت بالغًا عاقلًا أميز الأمور لم أصلِّ لله ركعة إلا أقل من القليل - وللأسف الشديد – وقد ضاعت سنوات عمري الماضية في اللهو المحرم, والشهوات, وارتكاب الكبائر أحيانًا - عياذًا بالله - فبالله عليكم ساعدوني: ماذا أفعل؟ وكيف أتوب؟ فأنا أريد أن أدخل الجنة, ولا أريد أن تمسني النار - ولو للحظة واحدة - وهل بعد التوبة سيكون واجبًا عليّ أن أقضي صلوات 15 سنة مضت - منذ أن بلغت -؟ وأرجو أن تكون الإجابة تفصيلية, شافية, وافية, في منتهى الوضوح؛ لأنه يوجد شباب كثير مثلي - وللأسف الشديد - وكيف سأقدر هذه الصلوات الماضية - إن كانت إجابتكم أنه واجب عليّ قضاؤها -؟ فقد حسبتها كالآتي: 25 سنة - إجمالي عمري - منها 10 سنوات قبل البلوغ فبقيت 15 سنة - العُمر الذي ضاع بدون صلاة - والسنة الواحدة فيها 365 يومًا, فمجموع الأيام 365 يوم × 15 سنة = 5475 يومًا ضاع بدون صلاة, وبما أن اليوم الواحد فيه 5 صلوات, فالمجموع: 5475 يومًا × 5 صلوات = 27375 صلاة ضائعة, وقد كنت عزمت على قضائها خلال سنة واحدة, فوجدت أني أحتاج أن أصلي في اليوم الواحد بجانب صلاة الفريضة الخاصة به حوالي 15 صلاة لكل فرض على حدة: (15 فجرًا و15 ظهرًا و15 عصرًا و15 مغربًا و15 عشاءً), وقمت بحسابها كالآتي: 27375 صلاة ضائعة ÷ 365 يومًا - سنة واحدة - فالناتج 75 صلاة في اليوم الواحد ÷ خمس فرائض فالناتج 15 صلاة لكل فرض, فهل هذا صحيح أم خطأ؟ فأنا أشعر أني سأجن بسبب هذا الكم الذي فاتني, وكنت أريد الخروج للجهاد؛ كي أنال الشهادة في سبيل الله, وليمحو الله عني كل باطل فعلته من ترك للصلاة, وذنوب, ومعاصٍ, وكبائر, فهل استشهادي سيمحو عني ما فات أم لا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فإننا أولًا نقول للسائل: إنه قد جاء في الحديث الشريف أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له, وما دمت تقر بالتفريط, وتسأل عن سبيل النجاة فهذا يدل على أن قلبك ما زال فيه حياة وخير, ويرجى لك بسببها الهداية والتوفيق - بإذن الله - فأول طريق الهداية الاعتراف بالتقصير, والبحث عن سبيل الخلاص, ولكن التهويل من سبيل النجاة, وقضاء ما فات, والتخويف بتلك الحسابات قد يكون من وسوسة الشيطان التي يحاول بها إبعادك عن الرجوع إلى الله تعالى, ونحن نقول: إن العلماء مختلفون في من ترك الصلاة تكاسلًا هل يلزمه قضاؤها أم لا؟ ومذهب الجمهور: وجوب قضاء الفوائت إذا كان ترك الصلاة كسلًا, وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه من أهل العلم بعدم مشروعية القضاء، وحتى على قول الجمهور فإنه لا يجب عليك أن تقضي في اليوم خمسة عشر لكل صلاة فريضة, وإنما تقضي ما يدخل في طاقتك وجهدك, ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها؛ حتى لو قضيت صلوات يومين فقط في كل يوم فلا حرج عليك, ولو فرض أنك مت قبل قضاء كل ما عليك, فإن الله تعالى عفو كريم, ولأن تموت تائبًا مقبلًا على الله تعالى, باذلًا جهدك في القضاء خير لك من أن تموت مفرطًا مضيعًا لحدود الله تعالى, فأقبل على الله تعالى - أيها السائل - بصدق وإنابة, وستجد التوفيق منه سبحانه وتعالى.
والجهاد ذروة سنام الإسلام, وهو باب عظيم من أبواب الجنة, فلو قدر أنك وجدت جهادًا شرعيًا, وقُتِلتَ فيه شهيدًا فإن الشهيد موعود من الله تعالى أن يغفر له كل ذنوبه إلا دين المخلوق, فقد جاء في الحديث: الْقَتْل فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ خَطِيئَةٍ, فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِلَّا الدَّيْنَ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلَّا الدَّيْنَ. رواه مسلم, والترمذي, واللفظ له, وراجع لمعرفة شروط الجهاد الفتوى: 7730.
وأما كيفية تقدير تلك الصلوات فأمرها سهل, فإن الصلوات المفروضة في اليوم خمس, وأنت مطالب بالخمس منذ البلوغ, فتنظر كم سنة مضت منذ البلوغ لم تصل فيها, واحسب عدد تلك الصوات فيها, وإن لم تصل إلى عدد يقين فلا مناص من التقدير والاجتهاد, فاقضِ ما يغلب على ظنك براءة ذمتك به, ونسأل الله أن يوفقك وسائر شباب المسلمين لكل خير, وأن يجعلكم ذخرًا لأمتكم, وعونًا لها على القيام بأمر الله, وانظر الفتوى رقم: 164175عن توبة تارك الصلاة, والفتوى رقم: 196973عن كون التوبة النصوح تمحو كل الذنوب, والفتوى رقم: 196387عن كون التائب المستقيم ينجو من عذاب القبر، وعذاب الآخرة.
والله تعالى أعلم.