عنوان الفتوى : علاج وحشة القلب وأدوية صحته
أرجو منكم الرد بسرعة, فأنا في حالة يرثى لها, وأرجو منكم أن تفيدوني: كيف أشعر بالإيمان؟ فأنا فتى كنت ملتزمًا, وأشعر بالإيمان لأبسط شيء, لكني ضللت - والله المستعان – بسبب أصدقاء السوء, ونفسي الأمارة بالسوء لا أبرئها, لكني تبت توبة نصوحًا - وربِّ العزة - إني فعلت كل جهدي, لكن قلبي لم يعد يشعر بأي إيمان أو لذة, علمًا أني ليس لدي شك في الدين أو في الله - سبحانه وتعالى – لكني أريد أن يشعر قلبي بالإيمان, لكنه كالحجر, وقد مللت وضعي؛ حتى أن الأمر زاد فأصبح هاجسًا ووسواسًا قهريًا – وربي - إنني أخاف اللهَ, وأخاف مكرَهُ, فهل أنا في خير أم في شر؟ وأنا أصلي كل الصلوات الآن في المسجد, وأحاول الخشوع والتباكي دون أي فائدة, وكل شيء يهون إلا إيماني وشعوري بالإيمان؛ فلا أستطيع العيش بدونه, وأنا أدرك أني أخطأت, لكني موقن أن الله غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى, ومن يؤمن بالله يهد قلبه, وقد وصلت الهواجس والوساوس أنني لا أستطيع الأكل أو اللعب أو التحدث, فكل شيء لا أريده, وإنما أريد الإيمان فقط - أسأل الله أن يهدي قلبي -.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن للذنوب والمعاصي أثرًا في ضعف الإيمان، لا يكاد يجد العبد معها حلاوة الإيمان في قلبه، فالعبد - كما قال ابن القيم - إذا أعرض عن الله, واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها يوم يقول: يا ليتني قدمت لحياتي. انتهى.
وذكر ابن القيم أن من آثار الذنوب: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله, لا يوازنها ولا يقارنها لذة أصلًا, ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة, وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة. انتهى.
فما دمت قد أحسست بهذه الوحشة - التي شكوتها في سؤالك - فسارع بالتوبة إلى الله من تلك الذنوب، وسله أن يحفظ عليك قلبك، وتضرع إليه أن يوجِد حلاوة الإيمان فيه؛ فإنه رزق لا يسوقه أحد إليك إلا الله اللطيف الودود.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أمورًا يحفظ العبد بها صحة قلبه، فإذا صح قلبه وجد حلاوة الإيمان لا محالة، حيث قال - رحمه الله -: الصحة تحفظ بالمثل, والمرض يدفع بالضد, فصحة القلب بالإيمان تحفظ بالمثل, وهو ما يورث القلب إيمانًا من العلم النافع والعمل الصالح, فتلك أغذية له, كما في حديث ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا: {إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته, وإن مأدبة الله هي القرآن} والآدب المضيف, فهو ضيافة الله لعباده... ثم ذكر أهمية الدعاء في أوقات الإجابة فقال: مثل: آخر الليل, وأوقات الأذان والإقامة, وفي سجوده, وفي أدبار الصلوات, ويضم إلى ذلك الاستغفار؛ فإنه من استغفر الله ثم تاب إليه متعه متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى, وليتخذ وردًا من " الأذكار " في النهار ووقت النوم, وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف, فإنه لا يلبث أن يؤيده الله بروح منه, ويكتب الإيمان في قلبه, وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس باطنة وظاهرة, فإنها عمود الدين, وليكن هجيراه: لا حول ولا قوة إلا بالله, فإنها بها تحمل الأثقال, وتكابد الأهوال, وينال رفيع الأحوال, ولا يسأم من الدعاء والطلب, فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي, وليعلم أن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب, وأن مع العسر يسرًا, ولم ينل أحد شيئًا من ختم الخير نبي فمن دونه إلا بالصبر. انتهى.
ويرجى مراجعة هاتين الفتويين: 174461، 29982.
والله أعلم.