عنوان الفتوى : يدفع له والده مبلغا من المال كمصاريف للدراسة ثم تبقى منه زيادة فهل يجوز له أن يأخذها؟
أنا والدي كان اقترح علي جامعة بمصاريف40 ألف في السنة ، وبعد البحث وجدت جامعة أخرى بنفس الكفاءة ب 20 ألف في السنة ، فاقترحت على والدي هذه الجامعة ، فوافق ، ثم اتفقت معه أنه إذا كنا في الأساس سندفع 40 ألفا ولم يمانع ، فأنا سأدفع ال20 الخاصة بالجامعة ، وال20 الأخرى يضيفها إلى مالي ، فوافق . لكن المشكلة حاليا أن الجامعة أحيانا تكون المصاريف 18 أو 20 - حسب عدد الساعات المسجلة- ، وأنا دائما آخذ ال20 بحكم أنه المبلغ الثابت غالبا ، وأن ال18 استثنائي ، ووالدي لا يهتم كثيرا .والسؤال : هل يحق لي بحكم الاتفاق المسبق بيني وبين والدى أن أحتفظ بالألفين أو الألف الزائدة أحيانا ، أم إنه لا يجوز لي؟ وإذا احتفظت بها ، فهل يكون هذا مالا حراما ؟
الحمد لله
اعلم - أيها السائل - أن الأخذ بالورع , والبعد عن الشبهات , والنزوع إلى الاحتياط
في أمر الحلال والحرام أمر رشيد ومسلك سديد أمر به الشرع الحنيف , فقد قال صلى الله
عليه وسلم : ( فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ
وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ
الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ) رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ ) رواه
الترمذي (2518) والنسائي (5711) وقال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ،
وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وقال عمر رضي الله عنه : " كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة من الوقوع في الحرام "
.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: " إن من تمام التقوى أن يتقي العبد في مثال ذرة ,
حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما , حتى يكون حجابا بينه وبين النار
" .
والظاهر من كلامك أن والدك يدفع لك مبلغا معينا كمصاريف للدراسة , وما دام أنه يفعل
ذلك فعليك أن تلتزم بدفع هذا المبلغ في مجال الدراسة , فإن فضل منه شيء فالواجب
عليك أن تعلم أباك بأنه قد بقي شيء من هذا المال , فإن طلب منك أن ترد إليه الزيادة
فعليك أن تردها إليه , وأن عفا لك عنه فيكون هذا المال حلالا لك .
وإنما كان الحكم كذلك لأن الظاهر أن والدك إنما يدفع لك هذه الأموال على سبيل الهبة
بشرط أن تدفعها في الدراسة , والهبة إذا كانت بشرط فيجب مراعاة شرط الواهب , جاء في
"أسنى المطالب" ، للشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله (2/479) : " (وَلَوْ أَعْطَاهُ
دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لَك) بِهَا ( عِمَامَةً أَوْ اُدْخُلْ بِهَا الْحَمَّامَ
) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ( تَعَيَّنَتْ ) لِذَلِكَ ، مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الدَّافِعِ ،
هَذَا ( إنْ قَصَدَ سَتْرَ رَأْسِهِ ) بِالْعِمَامَةِ ( وَتَنْظِيفَهُ )
بِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ لِمَا رَأَى بِهِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ وَشَعَثِ
الْبَدَنِ وَوَسَخِهِ ، (وَإِلَّا) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ ، بِأَنْ
قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ : (فَلَا) تَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ ،
بَلْ يَمْلِكُهَا ، أَوْ يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ" انتهى.
وقال الشيخ سليمان بن عمر الجمل رحمه الله : " لَوْ دَفَعَ لَهُ تَمْرًا لِيُفْطِرَ
عَلَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُ ، عَلَى مَا يَظْهَرُ, فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي
غَيْرِهِ ، نَظَرًا لِغَرَضِ الدَّافِعِ " .
انتهى من "حاشية الجمل على شرح المنهج" (2/328) .
فإن طابت نفس أبيك بهذا المال وتركه لك , وكان لك إخوة : فلا بد أن يعطي إخوتك مثل
هذا المال الزائد الذي وهبه لك ؛ لأن الراجح من أقوال أهل العلم أنه يحرم التفضيل
بين الأولاد إلا لسبب شرعي معتبر كأن يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , كما بيناه في
الفتوى رقم : (
178463) .
والله أعلم .