عنوان الفتوى : هل ينبغي الاهتمام بمعرفة علو الله على عرشه ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كثير من الإخوة يتناقشون هذه الأيام حول مسألة الموقع الفعلي الحسي لله تعالى . وسؤالي هو: ما أهمية مثل هذه المواضيع ؟ هل سيسألنا الله تعالى يوم القيامة عن مكانه ؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل معرفة مثل هذه الأمور فرض ؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك ، أفليس من الأولى أن نصرف أوقاتنا في أمور أكثر أهمية ونفعا ؟ أنا أتفهم أن معرفة مثل هذه الجزئيات قد يكون أمراً مهماً بالنسبة للعلماء والمشايخ ، فما شأن العامّة بها ؟! ولو أن المسلم مات دون معرفة المكان الفعلي الحسي لله تعالى هل يُقال : إنه آثم ؟!

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق


الحمد لله
أولا :
العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق ، لأن شرف العلم بشرف المعلوم ، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله ، فالاشتغال بفهم هذا العلم ، والبحث التام عنه ، بحسب حال العبد ، ومقامه في منازل العلم والإيمان : اشتغال بأعلى المطالب ، وأشرف الرغائب .
قال الشيخ إسماعيل بن محمد ، المعروف بقوام الأصبهاني رحمه الله :
" قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : " أَوَّلُ فَرْضٍ فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ مَعْرِفَتُهُ ، فَإِذَا عَرَفَهُ النَّاسُ عَبَدُوهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله) ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْرِفُوا أَسْمَاءَ اللَّهِ وَتَفْسِيرَهَا فَيُعَظِّمُوا اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ ".
قَالَ: " وَلَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ إِلَى رَجُلٍ أَوْ يُزَوِّجُهُ أَوْ يُعَامِلُهُ طَلَبَ أَنْ يَعْرِفَ اسْمَهُ وَكُنْيَتَهُ ، وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ ، وَسَأَلَ عَنْ صَغِيرِ أَمْرِهِ وكبيره ، فَالله الَّذِي خلقنَا ورزقنا وَنحن نرجو رَحْمَتَهُ وَنَخَافُ مِنْ سَخَطِهِ أَوْلَى أَنْ نَعْرِفَ أَسْمَاءَهُ وَنَعْرِفَ تَفْسِيرَهَا ".
انتهى من "الحجة في بيان المحجة" (1/ 133-134) .
وينظر : جواب السؤال رقم : (4043) .
ثانيا :
ليس في عقيدة المسلمين ما يسمى بـــ " الموقع الفعلي الحسي لله تعالى " ؛ فإن الله عز وجل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير .
وهو سبحانه وتعالى مستو على عرشه ، وعرشه عز وجل فوق سماواته ، قد أحاط بكل شيء علما .
قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الحديد/ 4 .
هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة يثبتون علوّ الله على خلقه ، ومعيّته لعباده ، وينزهونه تعالى عن الحلول في المخلوقات .

وعلو الله تعالى على عرشه وعلى جميع خلقه : يعني كونه سبحانه وتعالى فوق المخلوقات كلها ، فوق السماء ، وفوق الجنة ، وفوق العرش ، وأنه سبحانه وتعالى لا يحويه شيء من هذه المخلوقات ، ولا يحتاج هو ـ سبحانه ـ إلى شيء منها ، بل هو خالقها والقيوم عليها ، ولا قوام للعرش ، ولا غيره من الخلق إلا بقيام الله جل جلاله عليه ، وإقامته له .
والنصوص التي تصف الله تعالى بأنه ( في السماء ) تعني أنه سبحانه عالٍ على خلقه ، ولا تعني أنه عز وجل تحويه السماء وتحيط به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" السلف والأئمة وسائر علماء السنة إذا قالوا " إنه فوق العرش ، وإنه في السماء فوق كل شيء " لا يقولون إن هناك شيئا يحويه ، أو يحصره ، أو يكون محلا له ، أو ظرفا ووعاء ، سبحانه وتعالى عن ذلك ، بل هو فوق كل شيء ، وهو مستغن عن كل شيء ، وكل شيء مفتقر إليه ، وهو عالٍ على كل شيء ، وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته ، وكل مخلوق مفتقر إليه ، وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق " انتهى من" مجموع الفتاوى " (16/100-101) .
وانظر جواب السؤال رقم : (992) ، (11035) ، (124469) .

ثالثا :
السؤال عن أسماء الله تعالى وصفاته ، ومن ذلك علوه تعالى على خلقه : لا يستنكر ، بل هو سبيل للعلم بأشرف العلوم كما تقدم ، ومن ذلك قولنا : أين الله ؟
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" سأل النبي صلى الله عليه وسلم جارية جاء بها سيدها ليعتقها، فقال لها الرسول: " ( أين الله ؟ ) ، قالت: في السماء ، قال : ( من أنا ؟ ) ، قالت: أنت رسول الله ، قال: ( أعتقها فإنها مؤمنة ) رواه مسلم في الصحيح (537) . فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذه الجارية ؛ وما ذاك إلا لأن إيمانها بأن الله في السماء يدل على إخلاصها لله ، وتوحيدها لله ، وأنها مؤمنة به سبحانه وبعلوه ، فوق جميع خلقه وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم حيث قالت: أنت رسول الله .
أما قوله جل وعلا : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) . فهذا لا ينافي ذلك ، الكرسي فوق السماوات ، والعرش فوق الكرسي ، والله فوق العرش ، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى .
وتحديد الجهة لا مانع منه ، جهة العلو؛ لأن الله في العلو، وإنما يُشَبِّه بهذا بعض المتكلمين ، وبعض المبتدعة ويقولون : ليس في جهة.
وهذا كلام فيه تفصيل ، فإن أرادوا ليس في جهة مخلوقة ، وأنه ليس في داخل السماوات ، وليس في داخل الأرض ونحوها - فهذا صحيح.
أما إن أرادوا أنه ليس في العلو فهذا باطل ، وخلاف ما دل عليه كتاب الله ، وما دلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وما دل عليه إجماع سلف الأمة ، فقد أجمع علماء الإسلام أن الله في السماء ، فوق العرش ، فوق جميع الخلق ، والجهة التي هو فيها هي جهة العلو ، وهي ما فوق جميع الخلق .

وهذه الأسئلة ليست بدعة ، ولم ينه عنها ، بل هذه الأسئلة مأمور بها ، يعلمها الناس .
ومن قال : إن الله في الأرض ، إن الله في كل مكان كالجهمية والمعتزلة ونحوهم فهو كافر عند أهل السنة والجماعة ؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ، في إخبارهما بأن الله سبحانه في السماء فوق العرش جل وعلا ...
فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يصفوا الله سبحانه بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ، ولا تمثيل بل مع الإيمان بأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .
انتهى باختصار من "فتاوى نور على الدرب" (1/ 127-130) .
والله تعالى أعلم .