عنوان الفتوى : حكم الطعام الذي قطع بسكين كان قد قطع بها طعام مشتمل على لحم الخنزير
ذهبت إلى المطعم فطلبت بيتزا بالتونة ، فقام الطباخ بتحضير طلبي ، وأثناء ما كنت منتظراً للطلب سمعته يقول : لزبائن آخرين بأن طلبهم (بيتزا بلحم الخنزير) كانت جاهزة ، وأن عليهم المجيء لأخذها، ثم رأيته يقطع تلك البيتزا بسكين، تلك السكين هي نفس السكين التي استخدمها لقطع البيتزا الخاصة بي ، ثم أخذت البيتزا وأكلتها، وبعد أن انتهيت من أكلها ذهبت إلى المسجد ويديّ وفمي ما زال فيهما شيء من دسم تلك البيتزا ، وعندما وصلت إلى هناك أمسكت الجوارب بيدي ، ثم لمست بتلك الجوارب فرش المسجد، ولمست أيضا بنطالي وبعض ملابسي . فسؤالي هو: هل تنجست الجوارب والملابس عندما أصابها شيء من دسم تلك البيتزا ؟ وعليه فهل تنجس فرش المسجد ؟ وهل علي غسل البقعة التي صليت فيها ؟ وهل يجبّ علي إعادة تلك الصلاة ؟ كان يمكنني أن اذهب إلى قيّم المسجد فأخبره بما حدث لفرش المسجد ، لكن الأمر فيه شيء من الإحراج . فماذا تشيرون عليّ ؟
الحمد لله.
أولا :
اتَّفَقَ الفقهاء عَلَى نَجَاسَةِ لحم الْخِنْزِيرِ ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) الأنعام/ 145 .
إذا ثبتت نجاسة لحم الخنزير فإن كان صاحب المطعم قد استعمل السكين في قطع هذا الطعام المشتمل على لحم الخنزير , ثم استعملها بعد ذلك في تقطيع طعامك فقد تنجس من طعامك الجزء الملامس لهذه السكين , وكان الواجب عليك ألا تأكل هذا الطعام إلا بعد إزالة هذا الجزء الملامس لهذه السكين .
سئل علماء اللجنة الدائمة : " بعض المطاعم تشوي لحم البقر على نفس الصفيحة التي تشوي عليها لحم الخنزير ، فهل يجوز أكل ذلك اللحم ؟ وكذلك تستخدم نفس السكين في القطع .
فأجابوا : " لا يجوز أكل لحم البقر المشوي على الصفيحة التي يشوى عليها لحم الخنزير ، والسكين كذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (22 /285) .
والقول بنجاسة الجزء الملامس للسكين من "البيتزا الحلال" إنما يتم إذا علمت أنه قطعها لك بنفس السكين المستعملة في لحم الخنزير مباشرة ، من غير أن يغسلها ، أو حتى يمسحها بمنديل ونحوه ؛ فإن كان قد مسحها ، فنرجو ألا يكون بذلك بأس ؛ فإن المسح عادة ما يذهب ما تبقى من آثار الطعام في السكين .
ولذلك لا يمنع من أكل " البيتزا " كاملة ، بل الجزء الذي لاقى السكين ، وهي متنجسة ، لأن بقايا البيتزا الأولى ، التي افترضنا وجودها ، عادة ما تزول مع قطع أول جزء من البيتزا الحلال .
جاء في " كشاف القناع عن متن الإقناع " (1 / 184) : " فلو قطع به - أي السيف المتنجس ونحوه – بعد مسحه وقبل غسله ، ما فيه بلل ؛ كبطيخ ونحوه : نجَّسه لملاقاة البلل للنجاسة ، فإن كان ما قطعه به رطباً لا بلل فيه كجبن ونحوه : فلا بأس ، كما لو قطع به يابساً ، لعدم تعدي النجاسة إليه" انتهى.
ثانيا :
أما بخصوص تنجس فرش المسجد الذي ذهبت إليه بعد تناولك للطعام فالذي يظهر – في مجاري العادات – أنها لم تتنجس ؛ لأن هذا الدسم الذي أصاب السكين كان قليلا , ثم اختلط هذا القليل بالطعام المباح الطاهر الذي قطع بالسكين بعد ذلك , وزال مع قطع أول جزء منها .
والذي يظهر لنا مما ذكرته في أمر طهارة ملابسك ، وفرش المسجد : أنها مجرد استرسال مع الوساوس ؛ وأن شيئا من ملابسك ، أو جواربك ، أو فرش المسجد لم يتأثر بنجاسة الخنزير ، إذا افترضنا أنها كانت موجودة من الأصل ؛ ولا يفسد شيء من طهارتك ، أو صلاتك ، بمجرد تلك الوساوس ، والأصل في الأشياء الطهارة ، حتى تثبت نجاستها ، ولا يصح تطريق الاحتمالات البعيدة إلى العبادات ، وإلا لم يسلم لك شيء منها .
وقد روى البخاري في صحيحه (174) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: " كَانَتِ الكِلاَبُ تَبُولُ ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ ، فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ" .
وينظر : "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (22/179-180) .
وينظر جواب السؤال رقم : (148426) ، ورقم : (62839).
والله أعلم .