عنوان الفتوى : الوليد بن جميع في الميزان، والصواب في أصحاب العقبة الذين حاولوا قتل النبي
يقول بعض المبتدعة: إن ابن الوليد بن جميع, الذي قال كثير من العلماء: إنه ثقة, قال ابن حزم: إنه ليس بثقة؛ لأنه قال: إن أبا بكر وعمر حاولا قتل النبي صلى الله عليه وسلم, وابن حزم لم يورد سببًا غير ذلك, فهل هناك راوية لابن جميع صحيحة عن ذلك؟ شكرًا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على رواية للوليد بن جميع ولا لغيره، لحديث حذيفة ولا غيره، فيها تسمية أبي بكر وعمر في أصحاب العقبة الذين حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم في مرجعه من غزوة تبوك!! لا من طريق صحيح, ولا ضعيف, ولا تالف!!
وحديث حذيفة رواه مسلم في صحيحه من طريق الوليد بن جميع, وأورده ابن حزم نفسه قبل ذلك بإسناد الإمام مسلم, وليس فيه إلا ذكر عددهم دون أسمائهم, ثم إن ابن حزم إنما أراد بذلك أن يبطل الاحتجاج بهذا الحديث وأمثاله على أن المرتد لا يقتل, فردَّ الاحتجاج به بتضعيف إسناده، فقال: أما حديث حذيفة فساقط، لأنه من طريق الوليد بن جميع، وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث؛ فإنه قد روى أخبارًا فيها أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهم - أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وإلقاءه من العقبة في تبوك، وهذا هو الكذب الموضوع الذي يلعن الله تعالى واضعه، فسقط التعلق به. اهـ.
هكذا في مطبوعة المحلى, ونظن أن صواب العبارة: ولا نراه يسلم من وضع الحديث. والله أعلم.
فحال الوليد عند ابن حزم أنه هالك مردود الرواية!! وقد قارب هذا الحكم ابن حبان فذكره في المجروحين وقال: كان ممن ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات، فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج. اهـ.
وذكره العقيلي في الضعفاء الكبير وقال: في حديثه اضطراب اهـ.
وقد خالف هؤلاء من هو أقدم وأعلم، فأخرج له مسلم في صحيحه، فوثقه ابن معين والعجلي وابن سعد، وقال أحمد وأبو زرعة وأبو داود: ليس به بأس, وقال أبو حاتم: صالح الحديث, وقال البزار: احتملوا حديثه، وكان فيه تشيع. ولخص ابن حجر أقوالهم في التقريب فقال: صدوق يهم, ورمي بالتشيع. اهـ.
والجدير بالذكر هنا أننا لم نجد ـ بعد البحث ـ الرواية التي طعن بها ابن حزم في الوليد، والتي فيها ذكر أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد - رضي الله عنهم - أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم!! فإن وجدت هذه الرواية فستكون الجناية في من رووا ذلك عن الوليد، وإلا فمثل هذه الرواية لا يمكن أن تصح بحال!!
وبالتالي: فلا يصح الاحتجاج بتوثيق الجمهور للوليد على تصحيح هذه الرواية, والثابت كما في صحيح مسلم من طريق الوليد ما قدمناه من ذكر عدد المنافقين الذي حاولوا فعل ذلك في غزوة تبوك، دون ذكر أسمائهم.
وأخيرًا ننبه على أن ابن حزم وإن كان من بحور العلم، إلا أن أقواله في الجرح والتعديل تحتاج إلى بحث ومراجعة، قال ابن حجر في ترجمته في لسان الميزان: كان واسع الحفظ جدًا, إلا أنه لثقته بحافظته كان يهجم بالقول في التعديل والتجريح, وتبيين أسماء الرواة فيقع له من ذلك أوهام شنيعة. اهـ. وعقد في أثناء ترجمته فصلًا لذكر نبذ من أغلاطه في وصف الرواة.
وعلى أية حال: فاعتقاد أن أبا بكر وعمر حاولا قتل النبي صلى الله عليه وسلم من السخف والبطلان بحيث لا يستحسن الانشغال برده، ويكفي كلمة ابن حزم السابقة: وهذا هو الكذب الموضوع الذي يلعن الله تعالى واضعه.
ثم ليعلم الأخ السائل أن أهل البدع من أكذب البشر وأجهلهم، قال ابن تيمية: القوم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات، يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل، ويكذبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلًا بعد جيل. اهـ.
وقال أيضًا: قد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد، على أن الرافضة أكذب الطوائف، والكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب, قال الشافعي: لم أر أحدًا أشهد بالزور من الرافضة. اهـ.
والله أعلم.