عنوان الفتوى : لم يرد حديث نبوي يجعل سهولة الحمل علامة على رحمة الله الخاصة
أنا حبلى في شهري الثامن ، يعاملني زوجي بود ومحبة بفضل الله ، وقد قرأت أحاديث تنص أن الزوجة إذا أسعدت زوجها أثناء حملها فسيكون لها أجر عظيم ، فهل هذا صحيح ؟ وقد قرأت أيضا أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : ( ثلاث تبين مزيد رحمة الله بالمرأة : خطبتها ، ورعايتها ، وسهولة حملها ) فهل هذا صحيح ؟ أنا لا أنام كثيرا ، ولا أستريح كذلك بسبب أني مريضة بالسكر ، ولذلك أتناول حقن الإنسولين وأعاني من مزيد من آلام بالساقين ، ونزول الكدرة البيضاء ، التي بسببها أعيد الوضوء بعد كل فريضة ، وأصبحت الآن متعبة جدا ، وقررت أن أمتنع عن الإنجاب ثانية ، فهل هذا يعني أنني سأكون امرأة سيئة ، وسأطرد من رحمة الله ؟
الحمد لله
لم نجد في السنة النبوية أو الآثار عن الصحابة والتابعين ما يدل على أن سهولة الحمل
وخفته من علامات رحمة الله تعالى الخاصة بالمرأة ، فذلك من أمور الغيب التي يجب
الوقوف فيها عند النصوص والآثار ، وعدم نسبة شيء منها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
حتى نتثبت منه ونتأكد من صحته ، فالله عز وجل يقول : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ
عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36.
ثم إن رحمة الله تعالى قد تكون في العافية ، كما قد تكون في الابتلاء ، وذلك في علم
الله عز وجل وحكمته ، فعن مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ -
وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (
إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ ، لَمْ يَبْلُغْهَا
بِعَمَلِهِ ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ ، أَوْ فِي مَالِهِ ، أَوْ فِي
وَلَدِهِ ) رواه أبوداود في " السنن " برقم : (3090) وصححه الألباني ، فهذا الحديث
يدل على أنه قد يكون ابتلاء المرأة بصعوبة الحمل ومشقته علامة على رحمة الله تعالى
بالمرأة ، وما لها عند الله من أجر ومنزلة عظيمة ، خاصة إذا تذكرنا حديث النبي صلى
الله عليه وسلم أيضا حين قال : ( مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا
كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ) .
رواه البخاري (5640) ، ومسلم (2572) .
وبهذا يظهر أن من أراد نيل رحمة الله تعالى فليصبر عند المصيبة ، وليشكر عند النعمة
، فهو حينئذ على خير عظيم ، ولا ينشغل بالتفكير في مراد الله تعالى بمصابه ، فذلك
من الغيب الذي لا يطلع عليه ، ولكن بالشكر والصبر يستجلب رحمة الله ورضوانه .
يقول سفيان الثوري رحمه الله :
" ليس بفقيه من لم يعدّ البلاء نعمة ، والرخاء مصيبة " انتهى من " حلية الأولياء "
(7/ 55)
وقال بعض السلف :
" ارض عن الله في جميع ما يفعله بك ، فإنه ما منعك إلا ليعطيك ، ولا ابتلاك إلا
ليعافيك ، ولا أمرضك إلا ليشفيك ، ولا أماتك إلا ليحييك ، فإياك أن تفارق الرضا عنه
طرفة عين ، فتسقط من عينه " انتهى من " مدارج السالكين " (2/ 216) .
وأما إذا كان هناك عارض من المرض يمنعك من الإنجاب ثانية : فلا دلالة لذلك على أن
تكوني امرأة سيئة ، أو تطردي من رحمة الله ، معاذ الله ، بل هو عذر معتبر في مثل
ذلك ، وما جعل الله على عباده في الدين من حرج ؛ لكننا أيضا نرى أن المشقة
والمكابدة التي أنت فيها الآن ، ليست ظرفا مناسبا لاتخاذ قرار كذلك ؛ فكم من النساء
من فكرن في مثل ما تفكرين به الآن ، حتى إذا يسر الله لها أمر ولادتها ، واستراحت
فترة من الزمان من ذلك العناء : عاودها الحنين إلى الحمل والولادة ، وتربية الصغار
؛ فلعلك إذا يسر الله لك أمر وضعك على خير - إن شاء الله - ، واسترحت فترة من ذلك ،
أن يعينك الله على حمل جديد ، فهذا الآن قرار سابق لأوانه .
وللمزيد يمكن مراجعة الفتوى رقم : (161204)
، (150171) .
والله أعلم .