عنوان الفتوى : الردّ على أكذوبة نقل جبل المقطّم التي يدّعيها بعض النصارى
يتردد على لسان النصارى قصه تفيد نقل جبل المقطم من مكانه ، أي تم نقله من مكان قديم إلى مكانه الحالي واختفاء المعز لدين الله الفاطمي بعدها . أنا أشك في صحة رواية القصة ؛ لأنهم في نفس الوقت يشتكون من سوء معامله الفاطميين لهم آنذاك فكيف يعطى الخليفة المعز لدين الله الفاطمي الفرصة لهم لإثبات دينهم أنه صحيح وأنهم قادرين على نقل الجبل لأنهم مؤمنين . والشيء الآخر أنه ذكر في القرآن الكريم أن الجبال تمر مر السحاب . فبالتأكيد هو يعلم أنها تتحرك وبالتالي لا يوجد داعي لطلبه هذا . ولكنى أبحث عن رد أقوى من تلك الأفكار يفحم بها من يعتقد بهذه المعجزة ؛ التي أراها ما هي إلا أكذوبة . أنا لا اشك في ديني مطلقًا لأني على يقين من أنه الحق وأن رسولي الكريم كان خاتم للمرسلين صل الله عليه وسلم .
الحمد لله
أولا :
لا يستبعد على من كذب على الله ونسب إليه الصاحبة والولد ، لا يستبعد عليه أن يخترع
أكاذيب يكذب بها على الناس ليروج باطله .
ومفاد هذه الأكذوبة أن الخليفة العبيدي المعز لدين الله كان قد طلب من البابا إبرام
بن زرعة نقل المقطم من مكانه القديم إلى مكانه الحالي ليتمكن من توسيع القاهرة ،
وإلا سينكّل بالنصارى .
فطلب إبرام من المعز مهلة ثلاثة أيام للصلاة ، فقام هذا القس – كما تزعم هذه
الخرافة – وابتهل وصلى ، فظهرت له العذراء وطلبت منه استدعاء سمعان الإسكافي صانع
الأحذية الأعور ، وأمرته بقراءة آية معينة من الإنجيل .
فخرج النصارى بإسكافيهم هذا ومعه جماعة من الكهنة والرهبان ومكثوا بكنيسة المعلقة
بمصر القديمة ثلاثة أيام وصلوا وقرؤوا حتى تحرك الجبل وانتقل من مكانه الأول إلى
مكانه الذي هو عليه الآن .
ولما رأى الخليفة الفاطمي هذا أذعن للقس بالولاية ، وخضع له ، وعمر كنائس النصارى ،
ثم تنصر ، ومعه طائفة من أتباعه .
ولا شك أن هذه الخرافة
السمجة لا يصدقها عاقل ، وعلامات الكذب عليها واضحة ظاهرة : منها :
أولا : يزعم هؤلاء أن هذه الخرافة حصلت زمان الخليفة العبيدي المعز لدين الله
الفاطمي ، والمعز توفي سنة 365 هجرية ، بينما يزعم هؤلاء أن هذه الخرافة حصلت سنة
368 هجرية بنص كتبهم ، أي بعد وفاة المعز بثلاث سنين ! .
ثانيا : يزعم هؤلاء أن هذه الخرافة حصلت زمان البابا إبرام بن زرعة السرياني ، وفي
نصوص كتبهم أن هذا البابا توفي سنة 970 ميلادية ، بينما يزعمون أن هذه الأكذوبة
حصلت يوم 27 نوفمبر سنة 979 ، أي بعد وفاة هذا البابا بتسع سنوات !
وهم لا يختلفون في أن هذه الأكذوبة حصلت زمان المعز وزمان البابا إبرام .
فهذا الاختلاف في التواريخ يثبت صريح كذبهم وإفكهم .
ثالثا : كثير من النصارى لا يصدق هذه الأكذوبة ، ولذلك لم تذكر في كثير من كتبهم
التاريخية ، وهذا كتاب " تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية " وهو من أشهر الكتب
التي تؤرخ للكنيسة القبطية ، لم يذكر فيها هذا الخبر المكذوب ، كما أن المؤرخين
الأوربيين لم يذكروها في كتبهم ، وما ذلك إلا لظهور افتضاحها واختلاقها .
رابعا : لو كانت هذه الحادثة حصلت فعلا ، وكان المعز العبيدي تنصر ومن معه ممن رأى
هذه الأكذوبة كما يدعون ، لكان هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله ، ولكن شيئا
من ذلك لم يحدث ، وإنما انفرد بذكرها من لا يعرف عنه إلا الكذب والاختلاق من هؤلاء
النصارى .
خامسا : المعروف تاريخيا أن النصارى ذاقوا الهوان في زمن الخلافة العبيدية ، وخاصة
زمن الحاكم بأمر الله ، الذي سامهم سوء العذاب ، وزاد على الشروط العمرية تنكيلا
بهم وخرب كنيسة القمامة وهي من أشهر كنائسهم ، وأباح للعامة ما فيها من الأموال
والأمتعة وغير ذلك .
ينظر : " البداية والنهاية " (11/390) .
فلو كان ما يزعمون حقا لأذعن
لهم الناس ولما اضطهدهم الحاكم وهو حفيد المعز لدين الله .
سادسا : ذكر هؤلاء النصارى أن حدوث هذه ﺍﻟﺨﺭﺍﻓﺔ ﺃﺩﻯ إلى تسمية ﺠﺒﻝ ﺍﻟﻤﻘﻁﻡ ﺒﻬﺫﺍ
ﺍلاﺴﻡ ، ﻷﻥ ﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻘﻁﻡ : ﺍﻟﻤﻘﻁﻊ ، وهذا مشهور عندهم ، وهذا من الباطل الذي لا شك
فيه ، وهو مما يدل بالقطع على كذبهم ؛ فاسم هذا الجبل معروف قبل ذلك التاريخ بسنين
طويلة ، وقد ذكره باسمه هذا غير واحد من السابقين ، منهم عبد الله بن لهيعة عالم
أهل مصر المتوفى سنة 174 هجرية ، ومنهم محمد بن سعد صاحب " الطبقات الكبرى "
المتوفى سنة 230 هجرية ، ومنهم الجاحظ المتوفى سنة 255 هجرية ، ومنهم أبو الفرج
الأصبهاني صاحب كتاب " الأغاني " المتوفى سنة 356 .
سابعا : المعروف في دين النصارى ولعهم الشديد بالمرائي والأحلام ، فتجد الواحد فيهم
لا يتورع أن يفترى الكذب ويقول : رأيت العذراء في نومي وهي تأمرني بكذا وكذا ،
ورأيت القس الفلاني ، والبابا الفلاني ، وهذا هو دينهم ، وعنهم أخذ غلاة الصوفية
هذه المرائي المكذوبة المفتراة التي يحلون بها ما حرم الله ، بل ويقيمون بها الشرك
مقام التوحيد ، فتجد الواحد فيهم يزعم أنه رأى الولي الفلاني وهو يقول له : ابن لي
ضريحا بمكان كذا ، فينشر هذا الجاهل ما أوحى به الشيطان إليه في منامه ، ويصدقه
كثير من أهل الضلال ، وهكذا ينتشر الفساد في الأرض ، ويسعى هؤلاء في إطفاء نور
النبوة بهذه الطريقة .
والخلاصة : أن هذه الأكذوبة
قد انفرد بذكرها هؤلاء الكذبة الذين لا يتورعون عن الكذب على الله تعالى ورسله صلى
الله عليهم وسلم ، فلا يجوز لأحد أن يصدق هذا الإفك المبين ، وعلى العاقل أن لا
يلتفت إلى مثل ذلك .
ولمزيد الفائدة يراجع كتاب : " نقل جبل المقطم : معجزة أم خرافة ؟ " للدكتور علي
السالوس .
ثانيا :
الاستدلال بقوله تعالى : ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ
تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ) النمل/ 88 على بطلان هذه الأكذوبة غير صحيح ؛ لأن الآية
إنما تتحدث عن حال الجبال يوم القيامة وليس في الدنيا .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أي : تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه ، وهي تمر مر السحاب ، أي : تزول
عن أماكنها ، كما قال تعالى : ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ
الْجِبَالُ سَيْرًا ) الطور/ 9 ، 10 ، وقال ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ
فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى
فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) طه: 105، 107، وقال تعالى: ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ
الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً ) الكهف/ 47 " انتهى من " تفسير ابن كثير "
(6/217) .
وهذه الآيات التي ذكرها ابن كثير رحمه الله إنما تتحدث عن حال الجبال يوم القيامة وبهذه الآيات فسَّر الآية التي معنا .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" قوله تبارك وتعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) أي : يوم
القيامة ولا شك ، ومن فسرها : بأن ذلك في الدنيا ، وأنه دليل على أن الأرض تدور فقد
حرف الكلم عن مواضعه ، وقال على الله ما لا يعلم " انتهى من " لقاء الباب المفتوح "
.
ثالثا :
الدولة العبيدية التي تسمى بالدولة الفاطمية تنتسب إلى الإسلام الشيعي في الظاهر ،
ولكنهم في حقيقة الأمر كفار بالله ورسله وكتبه .
فالحذر ممن يزور التاريخ
ويظهر هذه الدولة على أنها إسلامية ليتوصل بذلك إلى الطعن في الإسلام .
ولمعرفة حال هذه الدولة العبيدية ومعتقداتهم ينظر إجابة السؤال : (101896)
.
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
الردّ على أكذوبة نقل جبل المقطّم التي يدّعيها بعض النصارى |