عنوان الفتوى : مسائل في الطلاق المعلق ، واختلاف الفتوى في وقوعه
أولا : أنا متزوجة منذ ثمان سنوات ، وابتليت بزوج كثير الحلف بالطلاق - الطلاق المعلق – في السنوات الأولى من زواجنا . وكنت في بادئ الأمر أستفتي العديد من المشايخ والعلماء لقلقي على حياتي معه هل هي حلال أم حرام ؟ ، وليطمئن قلبي للفتوى . وهناك من أفتاني بوقوع الطلاق ، وهناك من أفتاني بعدم وقوعه ؛ لأني كنت أسال زوجي عن نيته فيخبرني أنه التأديب والتهديد . حتى إني سألت الموقع مرتين عن بعض ألفاظه التي قالها لي . وبعد قراءتي ومعرفتي أن الطلاق المعلق لا يحسب طلاقا وأنه رأي الإمام ابن تيمية وابن القيم ، وقرأت ذلك في كتاب " زاد المعاد " ، ولما قال بذلك وأفتى به الشيخان ابن عثيمين وابن باز فاطمئن قلبي وأخذت بالقول أن الطلاق المعلق لا يقع . فهل عليَّ إثم ؟ وهل اتبعت هوى نفسي ؟ وما موقفي من سؤالي للمشايخ ؟ وقد قرأت في موقعكم أن ألزم رأي من سألته أولاً ، وأنا لا أتذكر من سألته أولاً وبم أفتاني . ثانياً: قال لي زوجي الطلاقَ الصريح في ثلاثة مواضع : الأول : في أثناء حيضي . والثاني : خرج منه اللفظ زلة لسان حتى إنه لم يدرك أنه قالها ، وأنا التي نبهته فهو كان في حالة مزاح شديد معي وخرج اللفظ دون قصد وأفتى زوجي شيخٌ أنه لا يقع . الثالثة : ظل يردد مع نفسه " طالق طالق طالق " في طهر جامعني فيه وكان ذلك أثناء شجارنا معا . أعلم أنى أخطأت في تنقلي بين المشايخ ، ولكن لم أعلم أنه يحرم عليَّ ذلك ، وأنا ما أخذت برأي عدم وقوع الطلاق المعلق إذا كان نيته التهديد إلا بعد قراءة كثيرة في موقعكم وفى كتب الفقه ، ولا أنكر أن هذا كان يصادف هوىً في قلبي فادعوا لي . ثالثاً: هل يجوز أن أفتي نفسي في الطلاق المعلق ؛ لأن زوجي حلف أيمانا كثيرة معلقة حتى أصبحت لا أتذكرها ، ففي ساعة هدوء منه سألته عن نيته مجمعة وليس يمينا يمينا ؛ لأني لا أتذكرهم وقلت : لمَ تحلف بالطلاق ؟ قال : أريد تأديبك .
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلم أن يضبط لسانه أن ينطلق في ترداد كلمة الطلاق ، ولم يشرع هذا الحكم
للعبث واللعب به وبألفاظه ، وكم ترتب على التلفظ به من وقوع شقاق ونزاع وتفرق
للأسرة وقد كان الزوج في سعة من أمره لكنه أبى إلا التضييق عليها .
ثم إن الطلاق يترتب عليه أحكام كثيرة ويجعل الزوجين في حيرة واضطراب ، فلا يدرون ما
وقع من الطلاق وما لم يقع ، وهل العيش بينهما حلال أم حرام ؟ وهل أولادهم شرعيون أم
لا ؟
ثانياً:
يجب على المسلم أن يلزم فتوى من يثق بدينه وعلمه ، ولا يتتبع فتاوى المشايخ يتقصد
بها الرخص حتى تجيئه الفتوى الموافقة لهواه فيأخذ بها ؛ فإن هذا لا يجوز .
ولا يحرم عليه أن يسأل غير من سأله أولا ، إن كانت نفسه لم تطمئن بأن هذا حقا هو
الراجح ، وهو الحكم الشرعي الذي يلزمه في هذه المسألة ، خاصة إذا كان له فهم في
مسائل العلم ، أو يحسن الترجيح بين أقوال العلماء ، وفق أصوله العلمية .
ولا يحرم على المستفتي الأخذ بالقول الذي يوافق هواه إذا كان من أفتى به هم علماء
ثقات في علمهم ودينهم عنده .
وقد قال الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله - لسائل سأل غيره قبل أن يسأله - :
" لا ينبغي له أن يسأل مرة أخرى ؛ لأن الرجل إذا استفتى عالماً يثق بعلمه ودينه
ويعتقد أن ما يقوله هو الحق ، فإنه لا يجوز أن يعدل إلى غيره ليطلب رأياً آخر
مخالفاً له ؛ لأن هذا من باب التلاعب في دين الله سبحانه وتعالى وشريعته ... .
فالذي أنصح هذا الرجل - وغيره من الناس - أنه إذا استفتى عالماً يثق بعلمه ودينه ،
يعتقد أن ما يقوله في هذه المسألة هو الحق : فإنه لا يسأل غيره بعد ذلك ، ويعمل بما
أفتاه به ؛ لأنه هو الحق في نظره ، إلا إذا سمع بدون استفتاء من أحد قولاً يخالف ما
أفتي به ، ودلل عليه هذا القائل الذي قال القول المخالف ؛ فإنه حينئذ لا بأس أن
يسأله ليناقشه ، فيقول ذكرت كذا واستدللت عليه ، وأنا قد أُفتيت بكذا فما هو جوابك
؟ لأن هذه المسائل من المسائل المهمة جدّاً التي نرى بعض الناس يستفتي عدة من
العلماء ، إما لينظر إلى أسهلها وأقربها لهواه ، وإما ليضرب آراء أهل العلم بعضها
ببعض ، وكل هذا من باب التلاعب " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " ( شريط رقم 25 ) .
ثالثاً:
أما الطلاق المعلق فإنه إن قصد به الطلاق نفسه وقع الطلاق ، وإن قصد به الحث أو
المنع فإنه لا يقع كما هو معتمد في هذا الموقع وفي فتوى بعض أهل العلم .
وعلى هذا الطلاق المعلق الذي قصد به ذلك كفارة يمين ، كما ذكرناه في جواب السؤال
رقم ( 82400 ) .
رابعاً:
وأما الطلاق في طهر جامعها فيه زوجها أو في فترة حيضها فإن الذي رجحناه في موقعنا
هذا هو عدم وقوعه ، وانظري جوابي لسؤالين : (72417
) ، ( 106328 ) .
خامساً:
والطلاق الذي يجري على لسان الزوج لا يقصد لفظه ، فضلا عن حكمه ، فإنه لا يقع .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله - تفسير قوله تعالى ( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) البقرة/ 225 - :
من فوائد الآية : عدم مؤاخذة العبد بما لم يقصده في لفظه ، وهذه الفائدة قاعدة
عظيمة يترتب عليها مسائل كثيرة ، منها : لو جرى لفظ الطلاق على لسانه بغير قصد لم
تطلق امرأته ، ولو طلق في حال غضب شديد لم تطلق امرأته . " تفسير سورة البقرة " ( 3
/ 93 ) .
سادساً:
والذي نراه – أخيراً - :
1. أن ما أفتي به الزوج من طلاق من قبل شيخ أو هيئة شرعية أنه لم يقع فهو كذلك .
2. ليست العبرة بما تراه الزوجة من أحكام تتعلق بالطلاق ، بل العبرة بما يراه الزوج
إن كان طالب علم ، وإلا فاتبعوا فتوى من تثقون بعلمه ودينه .
والله أعلم .