عنوان الفتوى : شبهة وردها حول قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ؟ )
قرأت في أحد المواقع كلاماً عن المفاخذة لآية الله الخميني ، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية ، يقول فيه : " يجوز للرجل أن يضع شهوته في صبية صغيرة شريطة أن لا يتعدى الحدّ ، فإن تعدى ، وأولج ، أو أفسد الصبية فإنه يتحمل مسئولية نفقتها ما حييت ، ومع هذا فإنها لا تُعد زوجة من زوجاته الأربع ، ولا يجوز له الزواج بأختها، وإذا ما بلغت سن الحيض فإن الأفضل لها أن تتزوج ، فبيت زوجها خير لها من بيت أبيها ، ومن زوّج ابنته صبيه فإنه بذلك حاز شرفاً أبدياً...الخ" السؤال هو: ألا يُعتبر هذا من باب الاعتداء الجنسي واغتصاب الأطفال؟! الأمر الأخر الذي يثير حفيظتي ، بل ويقززني ما ورد في حديث جابر أنه قال : " غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فتلاحق بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على ناضح لنا قد أعيا فلا يكاد يسير ، فقال لي : ( ما لبعيرك ) قال قلت : عيي ، قال : فتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجره ، ودعا له ، فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير فقال لي : ( كيف ترى بعيرك ؟ ) ، قال قلت : بخير قد أصابته بركتك ، قال : ( أفتبيعنيه ؟ ) ، قال : فاستحييت ، ولم يكن لنا ناضح غيره ، قال : فقلت نعم ، قال : ( فبعنيه) ، فبعته إياه على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة ، قال : فقلت يا رسول الله إني عروس فاستأذنته فأذن لي ، فتقدمت الناس إلى المدينة ، حتى أتيت المدينة فلقيني خالي فسألني عن البعير فأخبرته بما صنعت فيه فلامني ، قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي حين استأذنته : (هل تزوجت بكرا أم ثيبا ؟ ) ، فقلت : تزوجت ثيبا ، فقال : ( هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك ) ، قلت يا رسول الله : توفي والدي أو استشهد ، ولي أخوات صغار ، فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ، ولا تقوم عليهن ، فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن ..." البخاري، المجلد الثالث، الكتاب 38،، حديث رقم (504). وفي رواية أخرى : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : (تزوجت؟ ) قلت : نعم ، قال : (بكرا أم ثيبا ؟ ) ، قلت : بل ثيبا ، قال : (أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك) الحديث. أكان النبي محمداً يحب ملاعبة الجواري الصغار؟ وهل كان يستخدم عائشة فقط لهذا الغرض؟
الحمد لله
أولا :
هذا القائل للكلام المذكور أولا : الخميني ، هو رأس الشيعة الروافض في زمانه ،
وإمام من أئمة البدعة والضلالة ، وفي مذهبهم ما هو أشنع من ذلك ، وأبعد عن أصول
الإسلام ، وأشنع انحرافا عن الفطرة السليمة والعقل المستقيم ؛ فلا قيمة لما يقوله
هو وأهل نحلته ، ولا اعتداد بما يقررونه ، ولا ينبغي لعاقل أن ينظر فيه إلا على وجه
التعجب من قائله ، وحمد الله أن عافانا مما ابتلاهم به .
وينظر جواب السؤال رقم (101272)
.
ثانيا :
الْمُفَاخَذَةُ فِي اللُّغَةِ : مُفَاعَلَةٌ ، يُقَال : فَاخَذَ الْمَرْأَةَ
مُفَاخَذَةً : إِذَا جَلَسَ بَيْنَ فَخِذَيْهَا أَوْ فَوْقَهُمَا كَجُلُوسِ
الْمُجَامِعِ . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى
اللُّغَوِيِّ .
وذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مُفَاخَذَةَ الرَّجُل زَوْجَتَهُ فِي غَيْرِ
الإْحْرَامِ أَوِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حَلاَلٌ بِحَائِل أَوْ بِغَيْرِ حَائِلٍ .
أَمَّا مُفَاخَذَةُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ الأْجْنَبِيَّةِ
وَنَحْوِهَا فَحَرَامٌ .
"الموسوعة الفقهية" (38 /241)
ومفاخذة الصبية الأجنبية الصغيرة محرم في دين الإسلام بالإجماع ، وإنما يعرف ذلك عن
هؤلاء المبتدعة الضالين .
ثالثا :
لا يسع المسلم أو المسلمة إذا سمع بخبر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا الرضا
والتسليم ؛ لعموم قول الله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/ 65 ، وإذا رابه شيء أو
عرض له إشكال تمهل حتى يتبين له الأمر على حقيقته وجليته ، أما أن يروي المسلم أو
المسلمة خبرا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيعرض له فيه شبهة ، فيتقزز منه
وينفر مما سمع ، فليس ذلك من أخلاق أهل الإيمان .
ونبينا صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقا ، وأكرم الناس طبعا ، وأشد الناس
حياء ، وأعظمهم عفة ، بعثه الله ليتمم به مكارم الأخلاق .
فقول السائلة : أكان النبي محمداً يحب ملاعبة الجواري الصغار؟ وهل كان يستخدم عائشة
فقط لهذا الغرض؟ قول تنفر منه طباع المسلمين ، وتتأذى به نفوسهم ؛ لما يعلمونه عن
نبيهم صلى الله عليه وسلم من جليل الصفات وكريم الأخلاق ، مما لا يحسن معه بحال هذا
السؤال المريب.
وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة رضي الله عنهن ليس فيهن بكر
صغيرة إلا عائشة ، ومن كان هذا حاله كيف يقال عنه مثل هذا الكلام ؟!
راجعي جواب السؤال رقم (118102)
لمعرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج لمجرد التمتع بما أحل الله له .
وراجعي لمعرفة الحكمة من زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعائشة مع
فارق السنّ جواب السؤال رقم : (44990)
.
رابعا :
قول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه : ( أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ؟
) رواه البخاري (2097) ومسلم (715) وفي رواية لهما ( فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك
وتضاحكها وتضاحكك ) فمقصوده من ذلك الحث على التزوج بالبكر ، مع حسن العشرة وجميل
الملاطفة ، مما يكون في العادة مع البكر أكثر ، وأحسن حالا منه مع الثيب .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ فَضِيلَة تَزَوُّج الْأَبْكَار وَثَوَابهنَّ أَفْضَل ، وَفِيهِ مُلَاعَبَة
الرَّجُل اِمْرَأَته وَمُلَاطَفَته لَهَا وَمُضَاحَكَتهَا وَحُسْن الْعِشْرَة "
انتهى .
وقال في تحفة الأحوذي :
" فِيهِ أَنَّ تَزَوُّجَ الْبِكْرِ أَوْلَى , وَأَنَّ الْمُلَاعَبَةَ مَعَ
الزَّوْجَةِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا , قَالَ الطِّيبِيُّ : وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ
الْأُلْفَةِ التَّامَّةِ , فَإِنَّ الثَّيِّبَ قَدْ تَكُونُ مُعَلَّقَةَ الْقَلْبِ
بِالزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَكُنْ مَحَبَّتُهَا كَامِلَةً ; بِخِلَافِ
الْبِكْرِ " انتهى .
وقال الغزالي رحمه الله :
" على الزوج أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة فهي التي تطيب
قلوب النساء ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات
عقولهن في الأعمال والأخلاق " انتهى من "إحياء علوم الدين" (2 /44) .
فالشارع يحض على الزواج بالبكر الشابة وملاطفتها ومضاحكتها وملاعبتها ، لما يحصل فيه من الإيناس ، وتمام العفة لكل منهما ؛ وهذا من محاسن آدابه ، وكريم ما جاء به ، مما يوافق الفطر السوية ، ويقيم النفوس على صراط ربها ، من غير إفراط ولا تفريط .
والله تعالى أعلم .