عنوان الفتوى : شرح حديث : ( ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ )
من صحيح مسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله : ( ذكاة الجنين من ذكاة أمه ) فهل معنى ذلك إجازة أكل الجنين أم لا ؟ وما هو المقصد من هذا الحديث ؟
الحمد لله
أولا :
لا ينبغي للمسلم أن يحيي إخوانه المسلمين بهذه العبارة : ( السلام على من اتبع
الهدى ) وإنما هذه التحية يبعثها الداعية ومن في حكمه إلى غير المسلمين ، كما فعل
ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما المشروع في تحية المسلم أن يقال له :
السلام عليكم ، وإن شاء زاد الرحمة والبركة.
وروى البخاري (3326) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ
وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنْ
الْمَلَائِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ
، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ . فَزَادُوهُ : وَرَحْمَةُ اللَّهِ . فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ ).
راجع جواب السؤال رقم : (105399)
ورقم (130897) .
ثانيا :
روى أبو داود (2828) والترمذي (1476) وصححه وابن ماجة (3199) وأحمد (10950) عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ )
وقَالَ التّرمِذيّ : " وَفِي الْبَاب عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي
الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ قَوْلُ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ
وَإِسْحَقَ " انتهى .
وهذا الحديث صححه النووي في "المجموع" (2 /562) وابن دقيق العيد في "الإلمام" (2
/432) والألباني في "الإرواء" (8/256) وغيرهم ، وقال ابن عبد البر في "التمهيد"
(23/76) : "بأسانيد حسان" ، لكنه ليس في صحيح مسلم ، كما ورد في السؤال .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ:
" لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ
الْجَنِينَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الذَّكَاةِ فِيهِ ، إلَّا مَا رُوِيَ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ " انتهى من "التلخيص الحبير" (4 /390) .
ثالثا :
معنى الحديث : أن الجنين إذا خرج ميتا من بطن أمه بعد ذبحها ، أو وجد ميتا في بطنها
، فهو حلال ، لا يحتاج إلى استئناف ذبح ؛ لأنه جزء من أجزائها ، فذكاتها ذكاة له .
قال ابن القيم رحمه الله :
" سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَنِين الَّذِي
يُوجَد فِي بَطْن الشَّاة : أَيَأْكُلُونَهُ أَمْ يُلْقُونَهُ ؟ فَأَفْتَاهُمْ
بِأَكْلِهِ , وَرَفَعَ عَنْهُمْ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ كَوْنه مَيْتَة : بِأَنَّ
ذَكَاة أُمّه ذَكَاة لَهُ , لِأَنَّهُ جُزْء مِنْ أَجْزَائِهَا كَيَدِهَا
وَكَبِدهَا وَرَأْسهَا , وَأَجْزَاء الْمَذْبُوح لَا تَفْتَقِر إِلَى ذَكَاة
مُسْتَقِلَّة ، وَالْحَمْل مَا دَامَ جَنِينًا فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا , لَا
يَنْفَرِد بِحُكْمٍ , فَإِذَا ذُكِّيَتْ الْأُمّ أَتَتْ الذَّكَاة عَلَى جَمِيع
أَجْزَائِهَا الَّتِي مِنْ جُمْلَتهَا الْجَنِين , فَهَذَا هُوَ الْقِيَاس
الْجَلِيّ , لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَة نَصّ .
وَالصَّحَابَة لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّة ذَكَاته , لِيَكُونَ قَوْله "
ذَكَاته كَذَكَاةِ أُمّه " جَوَابًا لَهُمْ , وَإِنَّمَا سَأَلُوا عَنْ أَكْل
الْجَنِين الَّذِي يَجِدُونَهُ بَعْد الذَّبْح , فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ حَلَالًا
بِجَرَيَانِ ذَكَاة أُمّه عَلَيْهِ , وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاج إِلَى أَنْ يَنْفَرِد
بِالذَّكَاةِ .
قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك " كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : إِذَا أَشْعَرَ الْجَنِين فَذَكَاته ذَكَاة
أُمّه " وَهَذَا إِشَارَة إِلَى جَمِيعهمْ .
وَمَعْلُوم أَنَّ الْجَنِين لَا يُتَوَصَّل إِلَى ذَبْحه بِأَكْثَر مِنْ ذَبْح
أُمّه , فَتَكُون ذَكَاة أُمّه ذَكَاة لَهُ ، وهو مَحْض الْقِيَاس " انتهى مختصرا
من "تهذيب السنن" (2 /53-56) .
وهذا الحكم خاص بما إذا خرج الجنين ميتا من بطن أمه
بعد ذبحها ، وكانت قد نفخت فيه الروح قبل خروجه .
وأما إذا لم يكن قد نفخت فيه الروح ، فهو ميتة ، لا يحله ذبح أمه .
ومثله : لو خرج ميتا ، وعلمنا أن موته قبل ذبح أمه ؛ فإنه لا يحل اتفاقا .
فإذا خرج حيا حياة مستقرة بعد ذبح أمه : لم يبح أكله إلا بذبحه أو نحره ؛ لأنه نفس
أخرى ، وهو مستقل بحياته .
وينظر تفاصيل أخرى لأهل العلم في هذه المسألة في : "المغني" لابن قدامة (9/320) ، "المجموع" للنووي (9 /127) ، و"الموسوعة الفقهية" (5 /156) .
رابعا :
رغب بعض أهل العلم عن أكل الجنين ، من ناحية الطب .
قال ابن القيم رحمه الله : " لحوم الأجِنَّة غير محمودة لاحتقان الدم فيها ، وليست
بحرام لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَكَاةُ الجَنِين ذَكَاةُ
أُمِّهِ ) " انتهى من "زاد المعاد" (4 /378).
ولتفادي ذلك ، كان ابن عمر رضي الله عنهما يرى ذبحه قبل أكله ، لإخراج ما تبقى فيه
من الدم ، وليس لأجل الذكاة الشرعية .
روى الإمام مالك في "الموطأ" (1061) عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " إِذَا نُحِرَتْ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا
فِي ذَكَاتِهَا إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعَرُهُ ، فَإِذَا
خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ " .
راجع للاستزادة جوب السؤال رقم : (129231)
.
والله أعلم .