عنوان الفتوى : يخطب أخته من يعمل في الفنادق السياحية وهي تصر على الموافقة فهل عليه إثم لو وافق ؟
تقدم أحد الأشخاص لخطبة أختى الصغيرة وهو شخص محترم جداً ، ولكن المشكلة أنه يعمل فى وظيفة تشبه وظيفة مشرف أمن عام على فندق فورسيزونز فى مدينة شرم الشيخ السياحية ، وكما تعلمون فضيلتكم أعزكم الله أن هذه الفنادق تبيع الخمور وأشياء أخرى ، للأسف لا تراعى أصول ديننا ، وعندما فاتحتها فى هذا الموضوع قالت : إنه يعمل تابعاً لمجموعة شركات طلعت مصطفى التي تقوم بتأجير الأرض لهذا الفندق ، كما أن أرباح الخمور توزع منفصلة عن راتب الشهر ، وأنا الآن في حيرة . سؤالي الأول : هل أرفض هذا الزواج ؟ على أساس حرمة هذا الدخل لهذا الشخص ؟ أم أن هذا العمل لا علاقة له بالخمور ؟ ولا شىء عليه ؟ وسؤالي الثاني : وهل إذا أصرت أختى ووافقت أنا تحت ضغطها هل يكون على وزر فى ذلك ؟ مع العلم أنها مصممة على ذلك سواء وافقت أم لا ، وستستعين بأقاربنا حتى يكونوا شاهدين على العقد ، وهم لا يكترثون لنوعية عمل الشخص ، كما أنه يمكن إقناعها لكنني لست أهلاً لذلك .
الحمد لله
أولا :
لا يجوز العمل في هذه الفنادق التي تبيع الخمور ويُفعل فيها المنكر من الزنا والفحش
والغناء والرقص ونحو ذلك من المحرمات ؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان ، ومن
الرضا بالمنكر والإقرار به ، والكسب من وراء ذلك غير مشروع .
راجع إجابة السؤال رقم (46704)
، (126370) ، (173073)
.
فعَمَل هذا الخاطب مشرفَ أمنٍ عام على الفندق لا يجوز ، والكسب من ورائه محرم ولو كان يعمل لدى الشركة التي أجرت الأرض لأصحاب هذا الفندق .
وتأجير الأرض لمن يريد أن يقيم عليها هذه الفنادق السياحية التي يرتكب فيها المنكر بلا نكير ولا واعظ من خلق أو دين لا يجوز أيضا ؛ لأنه من المشاركة في فعل المنكر والعمل على نشره وعدم إنكاره والتكسب من ورائه .
وقد سئل علماء اللجنة :
ما حكم تأجير الأرض أو المحلات التجارية في غير البلاد الإسلامية لمن يبيع الخمر أو
الخنزير أو تأجيرها لبنوك ربوية ، ونحو ذلك؟
فأجابوا : " تأجير الأراضي أو المحلات التجارية لمن يستعملها في أشياء محرمة كبيع
الخمور والخنزير والربا ونحوها محرم ، سواء كان في بلاد إسلامية أو غير إسلامية ؛
لأنه من التعاون على الإثم والعدوان ، والله عز وجل يقول: ( وتعاونوا على البر
والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) " .
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (14 /424) .
وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة ، فروى الترمذي (1295) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَشَارِبَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا ، وَالْمُشْتَرِي لَهَا ، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
فكيف إذا اجتمع مع ذلك كل
بلية وفساد ومنكر مما يفعله هؤلاء الناس بتلك الفنادق السياحية ؟!
وكيف يرضى المرء لنفسه ولدينه أن يعمل مع هؤلاء ويتكسب من ورائهم ؟!
ولو فرض أن أرباح الخمور
توزع منفصلة عن راتب الشهر فعلّة التحريم لا تزال قائمة ، لأن نفس العمل في هذه
الأماكن محرم ، لما فيه من إعانة أهل المعصية على معصيتهم ، ومخالطتهم في أماكن
معصيتهم وفجورهم وعدم الإنكار عليهم وقد قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ
عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا
وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) النساء / 140 .
قال السعدي رحمه الله :
" أي : إن قعدتم معهم في الحال المذكورة فأنتم مثلهم ؛ لأنكم رضيتم بكفرهم
واستهزائهم ، والراضي بالمعصية كالفاعل لها ، والحاصل أن من حضر مجلسا يعصى الله به
، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة ، أو القيام مع عدمها " انتهى من "تفسير
السعدي" (ص 210) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَحْضُرَ مَجَالِسَ الْمُنْكَرِ بِاخْتِيَارِهِ
لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ
عَلَيْهَا الْخَمْرُ ) وَرُفِعَ لِعُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْمٌ
يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَأَمَرَ بِجَلْدِهِمْ فَقِيلَ لَهُ : إنَّ فِيهِمْ صَائِمًا
. فَقَالَ : ابْدَءُوا بِهِ أَمَا سَمِعْتُمْ اللَّهَ يَقُولُ : ( وَقَدْ نَزَّلَ
عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا
وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ
غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ ) .
بَيَّنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ
حَاضِرَ الْمُنْكَرِ كَفَاعِلِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ : إذَا دُعِيَ
إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْخَمْرِ وَالزَّمْرِ لَمْ يَجُزْ حُضُورُهَا ؛
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِحَسَبِ
الْإِمْكَانِ فَمَنْ حَضَرَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ
وَرَسُولَهُ بِتَرْكِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ بُغْضِ إنْكَارِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ
. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي يَحْضُرُ مَجَالِسَ الْخَمْرِ
بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يُنْكِرُ الْمُنْكَرَ كَمَا أَمَرَهُ
اللَّهُ هُوَ شَرِيكُ الْفُسَّاقِ فِي فِسْقِهِمْ فَيَلْحَقُ بِهِمْ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (28 / 221-222) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" العمل في الفنادق التي تباع فيها الخمور محرم ؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم
والعدوان ، وعلى ذلك فالدخل المكتسب مقابل العمل في هذا الفندق مال محرم ، وما ذكرت
من اعتماد على هذا المال في طعامكم ومشربكم وتنشئة أولادكم منه ، فإنه يجب عليكم
التوبة النصوح مما مضى من ذلك ، والتخلص من المال المتبقي من ذلك المال بالتصدق به
، مع ترك العمل في هذا الفندق والبحث عن كسب حلال ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق/ 2، 3 " .
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (14 /433) .
ثانيا :
الواجب عليك رفض هذا الشاب وعدم الموافقة عليه لما تقدم ؛ ولأن أختك في ولايتك
ورعايتك ، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فأنت مسئول عنها يوم القيامة ، وعليك
بنصحها بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأن تبين لها أن هذا الشاب لا يصلح زوجا شرعا ؛
لأن كسبه من حرام وسيطعمها الحرام ، ولأن عمله في أماكن الفساد والمنكر ، ومثل هذا
يخشى على دينه وعفته وخلقه ، وأن يتلبّس ببعض ما عليه القوم من هذه المنكرات ، وأن
الواجب عليك شرعا أن ترشدها وتعلمها وتنصحها وتخاف عليها ، وأن تسأل أهل العلم بهذا
الخصوص ، وأن تعملوا جميعا بما يأمرون به ؛ لأن الله تعالى يقول : ( فَاسْأَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء/ 7 .
وتخبرها أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
وتستعين عليها بذوي الحكمة والعقل من أهلها .
فإذا أصرت هي ، فلا يحل لك
موافقتها ، ولا يحل لها هي أن تتزوج من غير ولي شرعي ، فإذا كنت أنت وليها ، لم يجز
لها أن تزوج نفسها ، ولا أن يزوجها ولي أبعد منك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا اختارت من ليس بكفء في دينه فإن لوليها أن يمنع النكاح ، ولا حرج عليه في
المنع حينئذٍ ، حتى لو بقيت بدون زوج ، وإذا لم ترض إلا بزوج لا يرضى دينه فإن
لأبيها أن يمنعها " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (19/2) .
لكن الذي نرجوه منك أن تحاول
تفهيمها ذلك بالحوار الهادئ معها ، ولا بأس أن تستعين على ذلك ببعض أهل الفضل من
النساء الثقات ، أو أقاربكم العقلاء الذين يقدرون الدين ، ويقيمون له وزناً في
حياتهم .
والله أعلم .