عنوان الفتوى : الدعوة البصيرة لإجهاض الفساد جهاد في سبيل الله

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

بسم الله الرحمن الرحيمالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاتهإذا كثر الفساد وانتشر وذلك بالإغراء على كفر النعم وإنكار الخالق والتنكر للدين والشريعة وتحسين الخلاعة والرذيلة والفجور وذهاب الغيرة والحياء إذا تفشى كل ذلك في المجتمع مثلما هو كائن حاليا في مجتمعنا التونسي هل محاولة مقاومة كل ذلك يعتبر جهادا في سبيل الله؟ وهل هذا واجب؟ وما هي أنسب طريقة لذلك؟ دلوني دلكم الله إلى طريق الجنة وجزاكم عني أفضل الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن المسلم لا يجوز له أن يستسلم للباطل، ويرضى بالمنكرات والمعاصي، ويكون إمعة يسير مع القطيع لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.
ولا يجوز له كذلك أن ييأس ويقنط من الإصلاح، فاليأس والقنوط قرينا الكفر والضلال، قال تعالى: (...وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر:56]، وقال: (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].
وقد علمنا ديننا الحنيف كيف نتعامل مع المشكلات، وكيف نواجه الأزمات، فما من خير إلا دلنا عليه، وما من شر إلا حذرنا منه، قال تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام:38].
وقد أمرنا الله تعالى بالدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن على هدى وبصيرة.
وقد طبق صلى الله عليه وسلم هذا المنهج أكمل تطبيق، فقام صلى الله عليه وسلم وحده يدعو إلى الله تعالى في مجتمع الشرك والجاهلية الأولى، ولا شك أنه أشد فساداً من مجتمعاتنا اليوم، فكان يدعو بالحكمة متدرجاً في دعوته لا يدعو إلا إلى أساس العقيدة ومبادئ الإسلام، ولا يدعو إلا من يثق به حتى تكونت لديه مجموعة دار الأرقم، فكان يريبهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، حتى تخرجوا على يديه فكانوا النواة الأولى للمجتمع المسلم، والأساس الذي قام عليه بناؤه.
وإذا كنا اليوم قد فقدنا شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإننا لن نفقد المنهج الذي رباهم وكونهم عليه والمتمثل في الوحي من الكتاب والسنة المحفوظ بحفظ الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]، وقال صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي" أخرجه مالك في الموطأ بلاغا، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
ويمكن أن تقول: إن الجاهلية الحديثة أكثر تعقيداً وأشد خطراً من الجاهلية الأولى وهذا صحيح، ولكن الدعوة اليوم تملك من الوسائل ما لم يكن متاحاً لها من قبل، وهذه الأمة كالغيث لا يدرى أوله خير أو آخره. على أننا غير مكلفين بالنتيجة، فالنتيجة أمرها إلى الله تعالى فنحن علينا العمل وبذل المستطاع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:105].
ولكن سنة الله تعالى ماضية، فمن جّد وجد ومن زرع حصد، وها هو التاريخ يعيد نفسه، وقد بدأت بشائر الخير تلوح، وعلامات النجاح تظهر نتيجة لجهود دعاة مخلصين قاموا هنا وهناك.
وما هذه الصحوة الإسلامية التي عمت أنحاء العالم الإسلامي، بل إنحاء المعمورة إلا بشرى من هذه البشائر، وعلامة من هذه العلامات.
وقد قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40]، وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].
والخلاصة: أن أنسب طريق لمحاربة الفساد هي الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن على هدى وبصيرة، وهذا هو واجبك وواجب كل مسلم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108].
وهذا لا شك أنه من الجهاد الذي أمرنا الله تعالى به، وهو منهج القرآن الذي قال الله تعالى عنه لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وجاهدهم به جهاد كبيراً) [الفرقان:52].
وهو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أشرنا إلى بعض ملامحه في العرض.
والله أعلم.