عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ )

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

السؤال: إذا انخرط شخص في معصية وهو يعلم أن ذلك يُغضب الله ، ثم تاب ، فهل تُقبل توبته؟ وما توجيه قوله تعالى : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب..) وقوله : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) . وهل قول مجاهد معتبر في تفسير الآية الأولى حيث قال : "أن من عصى الله ، سواء بعلم أم بغير علم ، هو جاهل " ؟ .

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
أولا :
إذا أذنب العبد وهو يعلم أنه يعصي الله ويخالف أمره ويعرض نفسه للعقوبة ، ثم تاب توبة صادقة تاب الله عليه وغفر له مهما كان ذنبه عظيما ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إذَا تَابَ الْعَبْدُ مِنْ الذَّنْبِ غَفَرَهُ اللَّهُ لَهُ ، شِرْكًا كَانَ أَوْ غَيْرَ شِرْكٍ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/ 340) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" إذا تاب العبد توبة نصوحاً صادقة خالصة أحرقت ما كان قبلها من السيئات وأعادت عليه ثواب حسناته " انتهى من "الوابل الصيب" (ص: 12) .

ثانيا :
وأما قول الله تعالى : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/ 17 .
فالمقصود بالجهالة في الآية : الإقدام على معصية الله ، وليس المقصود أنه لا يعلم من الأصل أن ما يفعله ذنب ومعصية ، فهذا إن تاب من قريب تاب الله عليه ، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب ، وهذا من فضل الله وواسع رحمته بعباده .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قال أبو العالية : سألت أصحاب محمد عن هذه الآية فقالوا لي : كل من عصى الله فهو جاهل وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب ، وكذلك قال سائر المفسرين .
قال مجاهد : كل عاص فهو جاهل حين معصيته ، وقال الحسن وقتادة وعطاء والسدي وغيرهم : إنما سموا جهالا لمعاصيهم ، لا أنهم غير مميزين .
وقال الزجاج : ليس معنى الآية أنهم يجهلون أنه سوء ؛ لأن المسلم لو أتى ما يجهله كان كمن لم يواقع سوءا ؛ وإنما يحتمل أمرين : ( أحدهما ) : أنهم عملوه وهم يجهلون المكروه فيه . والثاني : أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأن عاقبته مكروهة ، وآثروا العاجل على الآجل ؛ فسموا جهالا لإيثارهم القليل على الراحة الكثيرة والعافية الدائمة .
والمقصود هنا أن كل عاص لله فهو جاهل ، وكل خائف منه فهو عالم "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (7 /22) .
وراجع : "تفسير ابن كثير" (2 /235) .
وسئل علماء اللجنة :
أنا رجل كبير عندي من العمر تسعة وخمسون عاما ، وهرعت عندما سمعت قول الله تعالى : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ) فهل فعل السيئة بالعلم أنها سيئة تمنع التوبة ؟
فأجاب علماء اللجنة :
" لا يمنع التوبة إقدام الإنسان على المعصية وهو يعلم أنها معصية ، ويشترط للتوبة ثلاثة شروط : الإقلاع عن المعصية ، والندم على ما مضى ، والعزم على عدم العودة إلى المعصية ، وإن كان هناك حق لآدمي وجب رده إليه أو استباحته منه ، وكل من عصى الله فهو جاهل " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (24 /308-309) .
ثالثا :
قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران/ 135 .
لا يخالف ما تقدم ، ومعنى الآية : أن من صفات عباد الله المتقين أنهم إذا صدر منهم أعمال سيئة كبيرة ، أو ما دون ذلك ، بادروا إلى التوبة والاستغفار ، وذكروا ربهم ، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين ، فسألوه المغفرة لذنوبهم ، والستر لعيوبهم ، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها ، فلهذا قال : ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) .
ينظر : "تفسير السعدي" (ص 148) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إِذَا أَصَرَّ عَلَى الصَّغِيرَةِ صَارَتْ كَبِيرَةً وَإِذَا تَابَ مِنْهَا غُفِرَتْ ... وَإِذَا تَابَ تَوْبَةً صَحِيحَةً غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ ، فَإِنْ عَادَ إلَى الذَّنْبِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ أَيْضًا . وَإِذَا تَابَ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ أَيْضًا " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (11 /700) .

راجع للاستزادة في باب التوبة إجابة السؤال رقم (46683) .
والله أعلم .