عنوان الفتوى : هل تدل استجابة الله لدعاء الكافرين على صدق معتقدهم ؟

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

كنت مسيحياً فمنّ الله علي بالهداية فاعتنقت الإسلام واتبعت مذهب أهل السنة ، ولكني بعد ذلك تشيعت فارتكبت كل ما يرتكبه الشيعة من فضائع وسبّ للصحابة ، ثم منّ الله عليّ من جديد فأعادني إلى جادة أهل السنة وطريقتهم ، وقد تبت وما زلت أتوب كل يوم وأستغفر الله مما كان مني. لكن السؤال هو : عن الكتب الشيعية التي كنت قد اقتنيتها، ماذا أفعل بها؟ إن فيها أسماء الله وبعض الآيات وغير ذلك ، شأنها شأن أي كتب أخرى دينية ، كيف أتخلص منها؟ أمر آخر هو : أن فترة التشيع أبقت في ذهني بعض الرواسب التي يستعملها الشيطان فيوسوس لي من حين لآخر، فيأتي ويحاول أن يقارن بين صفات الأئمة الاثني عشر وبين صفات الله - تعالى الله عن ذلك- ، رغم أن الأئمة أولئك أنفسهم هم من أهل السنة ، ثم تأتي وساوس أخرى وتشككني في ذات الله وفي الإسلام . وعلى الرغم من أني أعلم أن تلك الوساوس لا وزن لها على الحقيقة ؛ لأن كيد الشيطان كان ضعيفاً ، إلا أني أخشى أن تكون من ضمن الفتنة التي يُفتن بها المسلم في حياته كما قرأت هذا التفصيل في فتواكم رقم (60191)، فما العمل ؟ أمر أخير وهو : أننا نعلم أن الله قد قدّر كل شيء في كتابه "وكل صغير وكبير مستطر" ، وأن ما يصيب الخلق مسلمهم وكافرهم إنما هو قدر مقدور، وأن المسلم إذا دعا فإن الله يستجيب له. وهنا يأتي تساؤل عجيب يطرحه بعض اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار حيث يقولون: إننا ندعو فيُستجاب لنا وفي هذا دليل على صدق معتقدنا، أو على الأقل فيه دلالة على أنه لا فرق بيينا وبينكم أيها المسلمون الذين تدّعون الانفراد بخاصية إجابة الدعاء. بالطبع نحن كمسلمين نرى أن ذلك من تقدير الله السابق في علمه وليس استجابة أو مصادفة لدعائهم ، لكنهم يرون غير رأينا ، فكيف نرد عليهم؟ إني واثق من أن الله يستجيب دعاء المسلمين على نحو خاص لما يتصفون به من صفة العبودية والانقياد ، ولا أدل على هذا من القصص التي نسمعها من حين لآخر عن معجزات الدعاء لأناس اُصيبوا بشتى أنواع المصائب والبلايا فلجئوا إلى الدعاء فوجدوا فيه فرجاً ومخرجاً مما حل بهم ، كقصة تلك المرأة الأمريكية المسلمة المسماة أمينه أسيلمي التي أصيبت بالسرطان فدعت فشُفيت.

مدة قراءة الإجابة : 12 دقائق

الحمد لله.

أولاً : الحمد لله الذي هداك إلى الإسلام ورزقك نعمة التوحيد ، وردك للحق بفضله وكرمه ومنته ، ونسأل الله أن يثبتك على الحق ، ويهديك إلى الرشد والخير ، وأن يرزقك التقوى في القول والعمل ، وقد أحسنت برغبتك في التعلم ، وحرصك على معرفة الحق والصواب ، فنسأل الله أن يرزقك الفقه في الدين .
ثانيًا : إذا كان هناك بعض الدعاة أو طلاب العلم ، الموثوق في علمهم ومنهجهم ، يحتاجون إلى مثل هذه الكتب للرد على الشيعة وبيان ضلالاتهم ، فبإمكانك أن تهدي هذه الكتب لهم ، ما داموا في مأمن من شرها ، وبإمكانهم أن ينتفعوا بها في الدعوة إلى المنهج الصحيح .
فإن لم يتيسر لك ذلك ، فيمكنك إتلافها عن طريق الحرق ، أو الدفن ، أو التقطيع الذي تختفي معه آيات القرآن ولفظ الجلالة ، وإذا بقي بعض الكلمة فلا يضر ، ويمكنك استخدام آلات تقطيع الأوراق .
ويمكنك مراجعة جواب السؤال رقم (5390) .
ثالثًا : ما تتعرض له من وساوس أمر معتاد يحدث للمؤمن لا ينبغي أن يقلقك ويشغل بالك ، ولكن عليك السعي في التخلص منه من خلال ما يأتي :
1. الاستعاذة والاستعانة بالله .
2. ذكر الله تعالى وضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس .
3. الانهماك الجدي في العبادة والعمل امتثالاً لأمر الله ، وابتغاء لمرضاته ، فمتى التفت إلى العبادة التفاتاً كلياً بجدٍّ وواقعية نسيت الاشتغال بهذه الوساوس إن شاء الله .
4. كثرة اللجوء إلى الله والدعاء بمعافاتك من هذا الأمر .
ويمكنك مراجعة جواب السؤال رقم (12315) .

رابعًا : الدعاء على نوعين :
الأول : دعاء العبادة ، والمراد به أن يكون الإنسان عابداً لله تعالى ، بأي نوع من أنواع العبادات ، القلبية أو البدنية أو المالية .
الثاني : دعاء المسألة ، وهو طلب جلب ما ينفع ، أو دفع ما يضر ، بأن يسأل الله تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة ، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة .
وهذا يشترك فيه المؤمن وغير المؤمن .
ويمكنك مراجعة جواب السؤال رقم (113177) .
خامسًا : دعاء الكافرين إن كان دعاءً لغير الله كدعاء النصارى لمعبودهم المسيح عليه السلام أو السيدة مريم ، أو دعاء أهل الأوثان لأوثانهم فإنه دعاء في ضلال لا يجلب لهم نفعًا ، بل يكون سببًا للعذاب لهم في الآخرة ؛ لأنه شرك بالله تعالى .
قال الله تعالى : ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ) الرعد/14 .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/785) :
" ومعنى هذا الكلام أن الذي يبسط يده إلى الماء إما قابضا وإما متناولا له من بعد كما أنه لا ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه الذي جعله محلا للشرب ، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلها غيره ، لا ينتفعون بهم أبدًا في الدنيا ولا في الآخرة " انتهى .
سادسًا : دعاء الكافرين لله قد يستجاب لهم ، إن كان أحيانًا لحِكم منها : إقامة الحجة على هؤلاء الكفار ، أو للانتصاف للمظلوم منهم لأن الله يأمر بالعدل ويحرم الظلم ، أو لأنه سبحانه تكفل برزقهم في الدنيا فإذا طلبوا منه ذلك أعطاهم إياه ، أو لإظهار كرمه وجوده ومنته على العالمين .
ومن ذلك قوله تعالى : ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ) الإسراء /67.
وقوله تعالى : ( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ . قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ) الأنعام /63-64 .
وقوله تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) النمل /62 .
وقوله تعالى : ( وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم /34 .
وظاهر هذه الآيات يدل على أن استجابة الله تعالى لبعض دعاء الكافرين يكون لإقامة الحجة عليهم ، أو لإظهار رحمته وفضله ومنته بإغاثة الملهوفين ونجدة المضطرين .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ )
أخرجه أحمد (12140) وحسنه الألباني في "صحيح الترهيب والترغيب " (2231) .
وهذا يدل على إجابة الله لدعوة الكافر المظلوم ؛ لأن الله يأمر بالعدل وينهى عن الظلم وينتصف للمظلومين وإن كانوا كفارًا لكمال عدله سبحانه وتعالى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/206) :
" والخلق كلهم يسألون الله مؤمنهم وكافرهم ، وقد يجيب الله دعاء الكفار فإن الكفار يسألون الله الرزق فيرزقهم ويسقيهم ، وإذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعون إلا إياه فلما نجاهم إلى البر أعرضوا وكان الإنسان كفورًا " انتهى .
وقال أيضًا في "مجموع الفتاوى" (1/223) :
" وأما إجابة السائلين فعام فإن الله يجيب دعوة المضطر ودعوة المظلوم وإن كان كافرًا " .
انتهى .
سابعًا : لا يلزم من استجابة الله لدعاء الكافرين حبه لهم أو إعزازه وإكرامه لهم ، أو رضاه عن دينهم ومعتقدهم ، بل قد يكون ذلك من استدراجهم وتعجيل الخير لهم ليذوقوا العذاب في العاقبة ، فالله عز وجل لا يحب الكافرين ولا يرضى عنهم ولا عن كفرهم .
قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (1/13) :
" ليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضياً عنه، ولا محباً له ، ولا راضياً بفعله فإنه يجيب البر والفاجر، والمؤمن والكافر .
وكثير من الناس يدعو دعاء يعتدى فيه ، أو يشترط فى دعائه ، أو يكون مما لا يجوز أن يسأل ، فيحصل له ذلك أو بعضه ، فيظن أن عمله صالح مرضى لله ، ويكون بمنزلة من أملى له وأمد بالمال والبنين، وهو يظن أن الله تعالى يسارع له فى الخيرات وقد قال تعالى: ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكروا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُل شَىءٍ ) الأنعام/ 44.
فالدعاء قد يكون عبادة فيثاب عليه الداعى ، وقد يكون مسألة تقضى به حاجته ويكون مضرة عليه ، إما أن يعاقب بما يحصل له ، أو تنقص به درجته ، فيقضى حاجته
ويعاقبه على ما جرأ عليه من إضاعة حقوقه واعتداء حدود " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" ص89 :
" فليس كل من متعه الله برزق ونصر إما إجابة لدعائه وإما بدون ذلك يكون ممن يحبه الله ويواليه ، بل هو سبحانه يرزق المؤمن والكافر والبر والفاجر ، وقد يجيب دعاءهم ويعطيهم سؤلهم في الدنيا ، ومالهم في الآخرة من خلاق .
وقد ذكروا أن بعض الكفار من النصارى حاصروا مدينة للمسلمين فنفد ماؤهم العذب ، فطلبوا من المسلمين أن يزودوهم بماء عذب ليرجعوا عنهم ، فاشتور ولاة أمر المسلمين وقالوا : بل ندعهم حتى يضعفهم العطش فنأخذهم ، فقام أولئك فاستسقوا ودعوا الله فسقاهم ، فاضطرب بعض العامة ، فقال الملك لبعض العارفين : أدرك الناس ، فأمر بنصب منبر له وقال : اللهم إنا نعلم أن هؤلاء من الذين تكفلت بأرزاقهم كما قلت في كتابك : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) ، وقد دعوك مضطرين ، وأنت تجيب المضطر إذا دعاك فأسقيتهم ؛ لما تكفلت به من أرزاقهم ولما دعوك مضطرين ، لا لأنك تحبهم ولا لأنك تحب دينهم ، والآن فنريد أن ترينا آية يثبت بها الايمان في قلوب عبادك المؤمنين ، فأرسل الله عليهم ريحًا فأهلكتهم أو نحو هذا .
ومن هذا الباب من قد يدعو دعاء معتديًا فيه ، إما بطلب مالا يصلح أو بالدعاء الذي فيه معصية الله من شرك أو غيره ، فإذا حصل بعض غرضه ظن أن ذلك دليل على أن عمله صالح بمنزلة من أملى له وأمده بالمال والبنين فظن أن ذلك مسارعة له في الخيرات ، قال تعالى : ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ . نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ ) " انتهى .
ثامنًا : استجابة الله لبعض دعاء الكافرين إن وقعت فالأظهر أنها تكون بتحقيق بعض مرغوبهم في شيء من أمور الدنيا .
أما استجابة الله لدعاء المسلم فتكون على صورة من ثلاث : إما أن يعطى ما سأل ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثله ، وإما أن يدخر له في الآخرة .
قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا )
أخرجه أحمد (10749) وصححه الألباني في " مشكاة المصابيح " (2199) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في"فتح الباري" (11 /95) :
" كل داع يستجاب له ، لكن تتنوع الإجابة : فتارة تقع بعين ما دعا به ، وتارة بعوضه ، وقد ورد في ذلك حديث صحيح " انتهى.
ويمكنك مراجعة جواب السؤال رقم (153316) .
والله أعلم .